كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 3)
بين طرفيه.
ثالثاً: الإجماع:
استدل القائلون بحجية المصالح المرسلة بإجماع الصحابة رضي الله عنهم على العمل بها، وإجماعهم حجة، فهم أقرب الناس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأفهم الناس بالتشريع، وأعرفهم بأسراره، وأشد الناس تمسكاً به، فهم القدوة والأسوة في النظر فنهجهم مستمد من نهج رسولهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والاقتداء بهم وارد في حديثه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)).
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يعملون بالمصالح في بناء الأحكام عليها بالشواهد العامة من غير استناد إلى دليل معين في الواقعة المعروضة عليهم، فالمتتبع لأحوال الصحابة يقطع بأنهم كانوا يقنعون بمجرد اشتمالها على مصلحة راجحة، ولا يبحثون عن أمر آخر، فكانوا يبنون الكثير من الأحكام عليها، ما دام لم يوجد لديهم دليل معين على الواقعة، ولم ينكر عليهم أحد ذلك، وإلا لنقل إلينا، فكان هذا إجماعاً منهم على وجوب العمل بالمصالح المرسلة، والاعتداد بها في تشريع الأحكام.
وقد أشار الإمام الغزالي إلى ذلك في (المنخول) قال: تمسك الشافعي بأن الصحابة رضي الله عنهم استرسلوا في الفتوى، ـ وكانوا لا يرون الحصر ـ والنصوص ومعانيها لا تفي بجملة المسائل، فلا بد من المصير إلى المصالح في كل فتوى.
الصفحة 36
988