كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 3)

وهذا واضح في أن الإمام الشافعي كان يتمسك فيما لا نص ولا إجماع ولا قياس ـ بالمصلحة، والسند في ذلك عمل الصحابة وإجماعهم على ذلك، فكان حجة على اعتبار المصالح المرسلة في التشريع.
ويؤيد ذلك ما قاله القرافي: إن أموراً كثيرة لا تعد ولا تحصى، ولم يكن في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء منها، بل اعتمد الصحابة فيها على المصالح مطلقاً، سواء تقدم بها نظير أم لا، وهذا يفيد القطع باعتبار المصالح المرسلة مطلقاً، كانت في موطن الضرورات أو الحاجات أو التتمات.
وقال الإسنوي نقلاً عن الإمام مالك: احتج مالك بأن من تتبع أحوال الصحابة رضي الله عنهم قطع بأنهم كانوا يقنعون بمجرد الوقائع، ولا يبحثون عن أمر آخر، فكان ذلك إجماعاً منهم على قبولها.
فهذه النصوص وغيرها تؤكد أن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يلتزمون في إصدار الأحكام في الوقائع المعروضة عليهم، بالنص أو الإجماع أو القياس بل كانوا يتعدون ذلك إلى المصالح المرسلة بمجرد اشتمال الواقعة المعروضة عليهم، على مصلحة راجحة، ما دام لم يدل الدليل المعين على حكم هذه الواقعة.
وهذا الدليل استدل به القائلون باعتبار المصلحة المرسلة مطلقاً، سواء أكانت ملائمة أم غير ملائمة، ما دام العمل بها لم يخالف نصا، ولم يناقض مقصود الشارع، وقد شهد الشارع لجنسها في الجملة، وهو أيضاً دليل للقائلين، باشتراط الملاءمة، لأنه يقول: الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعتمدون في الفتوى على المصالح الملائمة لتصرفات الشارع، ما دام لم يوجد الدليل المعين الذي يدل على الواقعة المعروضة عليهم وأما الدليل على أن الصحابة كانوا يبنون أحكام الوقائع على المصالح ويعتمدون عليها من غير أن يبحثوا عن أمر آخر ـ ما نقل عنهم من أحكام كثيرة منها:
١ - جمع القرآن الكريم من الصحف والعسب واللخاف المتفرقة وغيرها مما

الصفحة 37