كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 3)
كتبت فيه، ووضعه في مصحف واحد، على الترتيب الذي أوقفهم عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتوقيف من الله تعالى ولم يكن هناك نص معين يدل على جمعه.
فاتفاقهم على هذا العمل لم يرد به نص معين، حتى يمكن حمله عليه، وليس له نظير يمكن أن يقاس عليه، ولكنهم رأوه مصلحة تناسب تصرفات الشرع قطعاً، فبعد موقعة اليمامة التي استحر فيها القتل بكثير من حفاظ القرآن، اقتضت مصلحة المسلمين حفظ القرآن من الضياع، وذهاب تواتره بموت حفاظه من الصحابة، فدفع ذلك أبا بكر للعمل على جمعه بعد مشاورة عمر رضي الله عنهما له، وقد جاء هذا الفعل محققاً لحفظه، مصداقاً لقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
ومنها: استخلاف أبي بكر لعمر رضي الله عنهما من بعده، مع أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يستخلف أبا بكر، لكنه لم ينه عنه أيضاً، فلم يكن (أي استخلاف أبي بكر لعمر) إلا ابتغاء المحافظة على مصالح الأمة ووحدة كلمتها، فقد خشي إن هو قبض، ولم يعهد الخلافة إلى أحد يجمع شتات المسلمين ويوحد صفوفهم ـ أن يعود الاختلاف بينهم أخطر مما كان عليه بعد وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيطمع فيهم العدو، فهذه مصلحة ملائمة لمقاصد الشارع، وإن لم يرد بها نص معين، وليس لها نظير تقاس عليه.
٣ - وقد أخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمصالح المرسلة، فهو أول من أنشأ الدواوين في الإسلام، وتدوينه فيها ما يتعلق بمصالح المسلمين، قال الماوردي: والديوان موضوع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال،
الصفحة 38
988