كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 4)

لما فيه من مناكرة المحسوس، فإن السواد لا يبقى والبياض كذلك، وأنه متجدد الوجود والعقل ينبئ عن هذا كما ينبئ عن قول القائل: إن الجسم متجدد الوجود في كل حالة، والعقل القاضي بأن الشعر الذي على رأس الإنسان في يومه هو الشعر الذي كان بالأمس لا مثله، يقضي أيضا في سواد الشعر، قال: وكأنهم توافقوا على أن الإعدام ليس بفعل، وإنما هو كف عن الفعل لما لم يعقلوا كون العدم فعلا ولهذا اختار الإمام والبيضاوي إمكان بقائه، لأنها كانت جائزة الوجود في الزمن الأول فكذا في جميع الأزمنة.
وأجاب الجمهور بأنه لا نزاع في إمكان وجودها في جميع الأزمنة، بل في بقائها وهو استمرارها على أنها موجودة في الزمن الثاني متصلة بالوجود الأول، ثم هو منقوض بالأصوات والحركات فإنه يمتنع بقاؤها بالاتفاق، وما المانع من أن الله يخلق الأعراض متوالية على توالي الأزمان بلا فترة بينهما فتتابع حتى يظنها الناظر لها باقية وهي بالحقيقة متجددة، وقد صنف الإمام أبو الحجاج يوسف الأزدي جزءا أسماه (بيان الغرض في إحالة بقاء العرض).
تنبيه: الغرض من هذه المسألة نفي قدم العالم، والفلاسفة جعلوها إحدى مقدماتهم على عدم حدوثه، ولما رأى أصحابنا ذلك لازما نفوه، لأنه إذا ثبت أنه لا يبقى زمانين تبين أن العالم لا يستقل بنفسه زمانا واحدا، بل يفتقر إلى الله سبحانه وتعالى على مرور الأزمان، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله} فالجوهر مفتقر إلى الفاعل في إيجاده ثم يفتقر إليه في إبقائه وإمداده بأعراضه، بأن يوالي عليه صفاته التي يحتاج إليها في استمرار وجوده، فلو كان

الصفحة 891