كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 4)

تنبيهات - الأول: الغرض من هذه المسألة أنه وقع للفلاسفة خلاف في تعلق المفعول بالفاعل، وفي علة احتياج الفعل إلى الفاعل، فالمبطلون منهم وقع أوهامهم: أن تعلق المفعول بالفاعل هي من الجهة التي يستمر بها المفعول مفعولا والفاعل فاعلا، وهو كونه أوجد فعلا بعد ما لم يكن موجودا له، ولهذا قالوا: إذا وجد الفعل من الفاعل لم يبق إلى الفاعل حاجة، ومثلوا ذلك ببقاء البناء بعد البناء وربما ارتكبوا أمرا شنيعا في فرضهم المحال، وقالوا: لو جاز عدم الصانع تعالى الله عما يقول الظالمون لما ضر ذلك وجود العالم فإنه قد أخرجه من العدم إلى الوجود وهذا كان احتياجه إليه، وهؤلاء هم القائلون: بأن علة احتياج الفعل إلى الفاعل هي مجرد الحدوث وأما المحققون منهم ومن غيرهم (١٢٨/ك) فإنهم ذهبوا إلى تعلق المفعول بالفاعل من حيث كون الفاعل لذاته فاعلا والمفعول لذاته مفعولا، وإذا كان التعلق بمقتضى ذات كل واحد منهما كان على الاتصال ببقاء ذاتيهما، ولذلك ذهبوا إلى علة احتياج الفعل إلى الفاعل هي الإمكان، فإن الفاعل إذا كان فعله لذاته لم يكن احتياج فعله في تحققه إلا إلى كون الشيء ممكنا في ذاته، ولا خلاف بين المتكلمين أن الحوادث اقتضت تعلقا بالمحدث، وإنما الخلاف بينهم في أن علة ذلك الاقتضاء ما هي.
الثاني: أن كثيرا من المتكلمين قالوا: إن العلم بوجود الصانع يحصل بطريقين، وهما طريق الجواز وطريق الحدوث، فأوهم هذا الكلام أن ذنيك الطريقين معتبران عند جميع المتكلمين، وليس الأمر كذلك، بل الأمر فيه مبني على الخلاف السابق، فمن يرى أن علة الحاجة إلى المؤثر هي الإمكان يقول بأن الطريق المؤدي إلى العلم بثبوت الصانع هي الحدوث فظهر أنه لا يتأتى لجميع المتكلمين التمسك بكل واحد من هذين الطريقين، كما أوهمه كلام أكثر المصنفين في هذا الشأن، وإنما ذلك على الخلاف السابق، وقد نبه على ذلك شيخنا جمال الدين الإسنوي رحمه الله.

الصفحة 897