كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 4)

أحدهما: المتكلمون وهم يقولون: هذا الفضاء، وهذا الخلاء عدم محض ونفي صرف ليس له وجود البتة.
والثانية: الفلاسفة وهم يقولون: هذا الخلاء أبعاد موجودة قائمة بنفسها، وهي أمكنة الأجسام، وهو اختيار أفلاطون وغيره، ثم اختلفوا فقيل: لا امتناع في بقاء هذا الفضاء خاليا عن الأجسام، وقيل: إنه ممتنع انتهى، وهذا الخلاف فائدته: معرفته، ولا يتحصل منه طائل والاشتغال بغيره أنفع، وقد رد على من أنكر المكان بأن العقل والحس متطابقان على أن الأجسام زائلة عن ناحية إلى ناحية غيرها والانفصال لا يكون عن لا شيء ولا إلى لا شيء، بل لا بد وأن يكون مستدعيا لما عنه الانتقال وإليه، وذلك هو المعني بالمكان، فهو موجود ضروري الوجود، ولما كان ما ينتقل منه وإليه، منه ما يكون فيه الجسم ويكون محيطا به، ومنه ما يعتمد الجسم عليه ويستقر، لكن المعنى الأول هو المراد للطباعيين وهو ما كان حاويا للمتمكن مساويا له، وعند حركته يفارقه، ولذلك يرسمونه بأنه السطح الباطن على ما سبق في التعريف الأول، هذا بالنسبة للعلم الطبيعي وأما بالنسبة إلى اللغة فقال ابن جني: المكان ما استقر فيه أو تصرف عليه، لأن التصرف هو الأخذ في جهات مختلفة كتصريف الرياح فكأنه قال: المكان ما وجد فيه سكون أو حركة، وقالوا: السكون هو الحصول في حيز أكثر من زمان واحد، والحركة انتقال من حيز إلى حيز فأفضى إلى الدور، وهو فعال من التمكن فالميم فيه أصلية بإزاء السين في سحاب، ولا يجوز أن يكون مفعلا من الكون كالمقال من القول كما صار إليه الجوهري، لأنهم قالوا في جمعه أمكن وأمكنة وأماكن وأفعل وأفاعل وأفعلة، إنما هي لجمع ما الفاء أوله،

الصفحة 900