كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 4)

في العبد الصالح: {آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} فدل سبحانه باختلاف العبارتين على اختلاف المعنيين فسمى ما خولهم على ألسنة أنبيائه هداية، وسمى ما أفاض عليهم من باطنهم بلا وساطة هدى، وقد حصل هذا المدد لسادات الصحابة فقال علي رضي الله عنه: (لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا) وحصل لحارثة حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك؟)) الحديث فمن وفقه الله معرفة وحدانيته ببدائعه وحقائقه، كما قال تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم} فعند ذلك يرى حسن الشريعة ونظامها فيعبده عند ذلك حق عبادته فيوليه تقريبه ونجيبه، فيعرف حينئذ حقائق الموجودات، بموجدها ودقائق المخلوقات بخالقها فيصير كما قيل لبعضهم: بم عرفت الله؟ قال: عرفت الأشياء بالله، وقال بعضهم: ما نظرت منذ عرفت الله إلى شيء إلا رأيت الله قبله.
(ص) ودنيء الهمة لا يبالي فيجهل فوق جهل الجاهلين، ويدخل تحت ربقة المارقين.
(ش) دنيء الهمة: من جنح إلى سفساف الأمور وعدل عن معاليها، قد قيدته الشهوة وأسرته المحظورات (١٣٦/ك) لا يبالي بارتكاب الحرام ولا بالتدنس بالآثام، ولهذا قال العلماء: الخسيس من باع دينه بدنياه وأخس منه من باع دينه بدنيا غيره والمواقع له في هذا الجهل فإنه أول داء النفس، ثم حب الأشياء، ثم قلة المبالاة ثم الجرأة، ثم قلة الحياء، ثم تصديق النفس، ثم المنى لفوز الآخرة وهذا حال من ركبته النفس الأمارة بالسوء، ولا يبالي الله أن يهلكه وأول منزل من منازل السالك هو الفراغ من ذبح النفس بسكين الرياضات فمن بادر إلى ذبح نفسه الغرة التي لم تحتنك

الصفحة 934