كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 4)

من السكوت وإن كان ناقصا بالنسبة إلى عمل القلب، ولذلك قال بعضهم لشيخه: إن لساني في بعض الأحيان يجري بالذكر والقرآن، وقلبي غافل، فقال: اشكر الله إذا استعمل جارحة من جوارحك في خير، وعوده الذكر، ولم يستعمله في الشر والفضول.
وما قاله حق، فإن تعود الجوارح للخيرات حتى يصير لها طبعا يدفع جملة من المعاصي فمتى تعود لسانه الاستغفار إذا سمع من غيره كذبا سبق لسانه إليه، ومن تعود الاستعاذة إذا حدث لظهور مبادئ شر قال بحكم اللسان: أعوذ بالله حتى يدفع بذلك شر لعنته أو غيبته، فإياك أن تلمح في الطاعات مجرد الآفات فتقل رغبتك في العبادات، فإن هذه مكيدة من الشيطان على المغرورين وحكى الأستاذ أبو القاسم والقشيري في (الإشارات) عن بعضهم: لا ينفع ذكر اللسان مع غيبة القلب ثم قال: بعض الموفقين: إن الله أكرم أن لا يحفظ على العبد قلبه إذا حضر هو بلسانه قال الأستاذ: وهذا هو التحقيق، وقال في موضع آخر: عند المعظم يلقن العبد ذكرا في الابتداء حتى يتمرن عليه اللسان، ثم يرد الذكر إلى القلب وقال (١٣٧/ك) ينبغي أن يمتلئ القلب أولاً بذكر ثم تفيض منه على اللسان والكل حق، وقوله: ومن ثم قال مشيرا إلى ما سأل بعض أئمة خراسان للشيخ شهاب الدين السهروردي فقال: القلب مع الأعمال يداخله العجب ومن ترك الأعمال يخلد إلى البطالة، فأجابه الشيخ لا تترك الأعمال، وداوي العجب بأن تعلم أن ظهوره من النفس، وكلم ألم بباطنه خاطر العجب يستغفر الله فإنه يصير ذلك كفارة خاطر العجب، لا يدع العمل رأسا وكذا قال الإمام في (المطالب): من مكائد الشيطان أن يترك العمل خوفا من أن يقول الناس مرائي، وهذا باطل فإن تطهير العمل من نزغات الشيطان بالكلية متعذر، فلو وقفنا العبادة على الكمال لتعذر الاشتغال بشيء من العبادات، وذلك يوجب البطالة، وهي أقصى غاية غرض الشيطان، بل الصواب

الصفحة 939