كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 4)

أنك ما دمت تجد باعثا دينيا على العمل فلا تترك العمل فإن ورد في إتيانه خاطر بالرياء فجاهد نفسك، واحتمل في إزالة ذلك الخاطر بقدر القدرة وقال الشيخ أبو زكريا النووي: لو فتح الإنسان عليه ملاحظة الناس والاحتراز من طرق ظنونهم الباطلة، لانسدل عليه أكثر أبواب الخير وضيع على نفسه شيئا عظيما من مهمات الدين، وليس
هذا طريقة العارفين، ولقد أحسن من قال: سيروا إلى الله عرجانا ومكاسير، ولا تنتظروا الصحة، فإن انتظار الصحة بطالة، والعلم في هذا المعنى قول الإمام الشافعي رضي الله عنه: إذا خفت على عملك العجب فاذكر رضى من تطلب، وفي أي نعيم ترغب ومن أي عقاب ترهب، وأي عاقبة تشكر وأي بلاء تذكر، فإنك إذا فكرت في واحدة من هذه الخصال صغر في عينيك عملك، وههنا دسيسة قد تخفى، وهي: أن الشارع رتب على الطاعات ثوابا ومدحا وثناء على فاعلها ورتب على المعاصي عقابا وذما وقدحا في فاعلها، ثم طلب من الفاعل الإخلاص وهو أن يفعل للامتثال لا لغرض أصلا فيقال: إن ذلك من جملة حظوظ النفوس، فما الذي يحقق له الإخلاص ولو قالت له النفس: إنما فعلت للامتثال كيف يصدقها وهي رواعة والجواب: طريقة السير بأن تعرض عليها شوائب حظوظها في الفعل، فيعرض عليها المنع فلا يجدها عنده، والثواب فكذلك ثم يعرض عليها الإقبال المجرد فيجدها منبعثة ومنشرحة به، ويكتفي من النفس بهذا المقدار للضرورة وقد اختلف الناس في حديث الثلاثة الذين أول من تسعر بهم النار، حيث يقول: ((إنما قصدتك فيقول الله: كذبت، إنما أردت ليقال)) هل كان هذا القائل روغ وكذب متواطئا مع نفسه أو كان صادقا باعتبار ما عنده؟ لكن النفس ليست عليه في معتقدها غير ذلك، وكان من حقه أن يتفقدها وغرضها منه حتى يقع على الإخلاص، فكذب بهذا الاعتبار لتقصيره، وهذا أولى

الصفحة 940