كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 4)

يقول: شغل الموت قلوب المتقين عن الدنيا، فوالله ما رجعوا فيها إلى سرور بعد معرفتهم بتكديره وغصته، وقال بعض المسلكين: إذا اشتبه عليك أمر فلم تعلم هو مما يجب أن يرغب فيه أو عنه فاحضر ببالك حضور باعث الموت فإن بقي معك الأمر فابق معه وإن فارقك ففارقه وقيل لمحتضر: كيف حالك؟ فقال: كيف حال من يريد سفرا بعيدا بلا زاد، وينزل منزلا موشحا بلا مؤنس ويقدم على ملك جبار وقد أذنب إليه بلا حجة.
الثاني: القنوط واليأس من رحمة الله لشدة الذنب أو استحضار عظمة الرب وشدة بأسه فهذا مقت من الله وذنب آخر مضاف إلى ذنب المعصية، وقد قال تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} وعلاج هذا الداء بما يضاده وهو استحضار سعة رحمة الله كما قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} وفي الصحيح: ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم)) ومنه ((لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل معه راحلته عليها طعامه وشرابه بأرض فلاة فقام ...)) الحديث.

الصفحة 951