كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 4)

والأستاذ: وأما الفقهاء فذكروا له ثلاثة أركان: الإقلاع في الحال، والعزم على أن لا يعود في الاستقبال والندم انتهى وكأن المصنف أراد أنه لا يخالف بين الطريقين فسالك طريق المتكلمين في تفسيرها بالندم، وجعل كلام الفقهاء لا يخرج عنه لأن ذلك يتضمن الندم، إذ يستحيل حصول الندم الحقيقي على شيء مع ملازمته في الحال والعزم على معاودته، فلهذا قال: يتحقق أي إنما يتحقق بالإقلاع في الحال والعزم في الاستقبال وإن تعلق بحق آدمي فلا بد من الخروج عنه وإليه أشار بقوله: وتدارك ممكن التدارك، وهذا قاله الفقهاء، وقال الإمام في (الشامل) إن لم يرد المظلمة وندم فقد صحت توبته فإنها: الندم على ما سلف، وما تعلق برد المظلمة حق آخر وجب عليه، فإذا لم يفعله لم يبطل ما أتي به من حقيقة التوبة، وحكى ابن القشيري في (المرشد) عن والده زيادة شرط آخر وهو تعين الذنب فلو أسلف ذنبا ونسيه فإن عين ذنوبه في الجملة وعزم أن لا يعود إلى ذنب، لم تصح توبته بما نسبه وما دام ناسيا لا يكون مطالبا بالتوبة، ولكن يلقى
الله وهو مطالب بتلك الزلة، وهذا كما لو كان عليه دين لآدمي ونسي المديون ولم يقدر على الأداء فهو في الحال غير مطالب مع النسيان ولكن يلقى الله وهو مطالب قال: وهذا مأخذ ظاهر، لأن التوبة ندم والندم إنما يتحقق مع الذكر بما فعله حتى يتصور الندم وقال القاضي: إن لم يتذكر التفصيل يقول: إن كان لي ذنب لم أعلمه فإني تائب إلى الله منه، ولعله قال هذا إذا علم أن له ذنوبا، ولكنه لا يتذكرها، فأما إذا لم يعلم لنفسه ذنبا فالندم على ما لم يكن محال، وذكر المحاسبي أنه يعين كل ذنب على انفراده ولا يخفى إشكاله وقال الشيخ عز الدين: يتذكر من الذنوب السالفة ما يمكن تذكره وما تعذر لا يجب عليه ما لم يقدر عليه.
ص: وتصح ولو بعد نقضها عن ذنب ولو صغيرا مع الإصرار على آخر ولو كبيرا عند الجمهور.

الصفحة 953