كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 4)

القاضي أبو يعلى في كتاب (المعتمد الكبير) ونصره وأطال في الاستدلال عليه لقوله تعالى: {جزاء بما كانوا يكسبون} وقوله: {فبما كسبت أيديكم} وغير ذلك مما أضافه إليهم، وأما ثانيا: فما قاله غير لازم لأن تعلق الكسب ليس تعلق إبراز من العدم إلى الوجود بل نسبة يعلمها (١٤٣/ك) العبد بين قدرته ومقدوره في محله ضرورة، ويفارق بها حال المجبر، فيحصل التمييز من غير تأثير بخلاف الفعل، والأشعري يقول ما يقوم العبد من الصفات نوعان: نوع يوجد الله فيه دون قدرته واختياره كحركة المرتعش، ونوع يوجد الله فيه مع قدرته وإرادته كحركاته الاختيارية وهذه التفرقة معلومة بالضرورة فيسمي الثاني كسبا لا يعبر عنه إلا بلفظ الكسب، وإن كان اسم الفعل يشملهما لغة، كما أن التفرقة بين اللذة والألم معلومة قطعا ولا يعبر عنهما إلا بهاتين اللفظتين. على أن الأصحاب اختلفوا في أن الكسب هل يسمى فعلا للعبد على وجهين حكاهما الأستاذ أبو منصور، قال: فأطلقه عبد الله بن سعيد وطائفة، وقالوا: إن أحدنا فاعل على الحقيقة لكن على سبيل الاكتساب، والباري تعالى فاعل على سبيل الاختراع، وجوزوا وجود فعل من فاعلين باعتبارين، وأما الأشعري فأبى ذلك وقال: عن أحدنا لا يفعل على الحقيقة والفعل عنده هو الخلق والاختراع، وعلى هذا فأحدنا مكتسب حقيقة وفاعل مجازا، وعلى هذا قسم بعضهم الأفعال قسمين: حقيقي وحكمي أي محكوم على من صدر عنه بالثواب والعقاب، وإنما قال الأشعري: بالكسب وباين بينه وبين الفعل لاعتقاده أمرين:
أحدهما: أن العبد غير خالق لأفعاله.
والثانية: أن الله تعالى لا يعاقب إلا على ما فعله العبد والثواب والعقاب واقعان

الصفحة 966