كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 3-4)
شهر بالإحسان، في صناعة النظم والنثر، ولم أقع له عند نقلي هذه النسخة إلا على التافه النزر، وعلى ذلك فقد كتبت له منهما ما يشهد أنه كان من أهل الرواية والعلم، وذوي الدراية والفهم.
فصول له من مقامة
قال في أولها: سقى عهدك أيتها الدمنة الزهراء كل عهد، وجاد قطرك أيتها الروضة الغناء كل قطر، وسال عليك من أدمعي كل ملث هطال، وتناوحت عليك من أضلعي كل جنوب وشمال، منشرة أنوارك، لا معفية آثارك، ومهدية أرجك ونسيمك، لا مغيرة أطلالك ورسومك، فكم لنا في واديك من بلهنية زمان أنيق، وفي مغانيك من رفاهية عيش رقيق، نعل بكأسي عتبا وإعتاب، ونرتع في جنبتي صبا وتصاب، غدونا من عشيق إلى صديق، ورواحنا من صبوح إلى غبوق، وخليلنا مساعد، وعدونا مباعد، ورقيبنا أعمى، وزماننا أعشى؛ حتى إذا استيقظ الدهر من هجعته، وهب من غطيط رقدته وسكرته، ضرب فوقنا بجرانه، وصرف إلينا لهذم سنانه، ولبس لنا جلدة النمر، وقلب لنا ظهر المجن، وألقى علينا بعاعه، وطمس ذوننا شعاعه، مستردا ما وهب وأعطى، ومكدرا ما منح وأصفى:
أبدا تسترد ما تهب الدن ... يا فيا ليت جودها كان بخلا