كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 3-4)
في كل ندي، الحليم فما يغضب، والجواد وما يرغب، والشجاع وما يرهب، والقوي وما يعنف، واللين وما يضعف، والرفيق إذا ساس، والمصيب إذا قاس، ينبوع كل جذل، ودافع كل وجل، وحسبك بي عنده من جليس رئيس، أكلم منه سحبان، وآخذ عن لقمان، وأستنزل كيوان:
له كبرياء المشتري وسعوده ... وسطوة بهرام وظرف عطارد وقمر إلا أنه بشر، وجبل إلا أنه رجل، بحر علم، وطود حلن، وعالم في عالم؛ الأصمعي عنه ناقل، ولجاحظ عنده باقل، إذا ركب ضاق عنه الأفق، وإذا تبدى وسع الدهر ندى، وإن نطق بين وصدق، وإن كتب أبدع وأغرب، نداه سحائب، وكتبه كتائب، مشرفياته من لسانه وبيانه، وخطياته من أقلامه وبنانه، تمشق فيها جياد فهمه، ويمري درر أشوالها من آدابه وعلمه، ويسحب لها من فكره مضمارا، ويثير من مداده قسطلا وغبارا، ويرتب فيها الحروف، ترتيب الصفوف، ويمشق بها في المهارق، مشقه في الطلى والمفارق، هذا إلى روحانية ملك، في تجلة ملك. فاستطير فرحا، وازدهي مرحا، وخف فقام إلي، ورف يقبل بين عيني، وكأنه إنما نشر من قبر، أو صحا من سكر، وقال: أصبت والله القرطاس، وبنيت على أساس، وفزت بالقدح المعلى، وتحليت من الجلى، والحديث ذو شجون: متى الحركة - وفيم التلوم