كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 3-4)

وحسنا، فضل بعضا على بعض حتى اعتدل بعدله الكل، واتسق على لطف قدرته الجميع، فجعل لكل واحد منها جمالا في صورته، ورقة في محاسنه، واعتدالا في قده، وعبقا في نسيمه، ومائية في ديباجته، وقد عطفت علينا الأعين، وثنت إلينا الأنفس، وزهت بمحضرنا المجالس، حتى سفرنا بين الأحبة، ووصلنا أسباب القلوب، وتحملنا لطائف الرسائل، وصيغ فينا القريض، وركبت على محاسننا الأعاريض، فطمح بنا العجب، وازدهانا الكبر، وحملنا تفضيل من فضلنا، وإيثار من آثرنا، على أن نسينا الفكر في أمرنا، والتمهيد لعواقبنا، والطيبب لأخبارنا، وادعينا الفضل بأسره، والكمال بأجمعه، ولم نعلم أن فينا من له المزية علينا، ومن هو أولى بالرئاسة منا، وهو الورد الذي إن بذلنا الإنصاف من أنفسنا ولم نسبح في بحر عمانا، ولم نمل مع هوانا، دنا له، ودعونا إليه، فمن لقيه منا حياه بالملك، ومن لم يدرك زمن سلطانه، ودولة أوانه، اعتقد ما عقد عليه، ولبى ما دعي إليه، فهو الأكرم حسبا، والأشرف زمنا، إن فقد عينه لم يفقد أثره، أو غاب شخصه لم يغب عرفه، وهو أحمر والحمرة لون الدم، والدم صديق الروح، وهو كالياقوت المنضد، في أطباق الزبرجد، وعليها فرائد العسجد، وأما الأشعار فبمحاسنه حسنت، وباعتدال جماله وزنت.

الصفحة 128