كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 3-4)

وفي فصل منها: وكان ممن حضر هذا المجلس من رؤساء الأنوال والأزهار، النرجس الأصفر والبهار، والبنفسج والخيري النمام. فقال النرجس الأصفر: والذي مهد لي حجر الثرى، وأرضعني ثدي الحيا، لقد جئت بها أوضح من لبة الصباح، وأسطع من لسان المصباح، ولقد كنت أسر من التعبد له والشغف به، والأسف على تعاقب الموت دون لقائه، ما أنحل جسمي، ومكن سقمي، وإذ قد أمكن البوح بالشكوى، فقد خف ثقل البلوى.
ثم قام البنفسج فقال: على الخبير سقطت، أنا والله المتعبد له، والداعي إليه، المشغوف به، وكفى ما بوجهي من ندوب، ولكن في التأسي بك أنس.
ثم قام البهار فقال: لا تنظرن إلى غضارة منبتي، ونضارة ورقي ورقتي، وانظروا إلي وقد صرت حدقة باهتة تشير إليه، وعينا شاخصة تندى بكاء عليه:
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي ثم قام الخيري فقال: والذي أعطاه الفضل دوني، ومد له بالبيعة يميني، ما اجترأت قط إجلالا له، واستحياء منه، على أن أتنفس نهارا، أو أساعد في لذة صديقا أو جارا، فلذلك جعلت الليل سترا، واتخذت جوانحه كنا.

الصفحة 129