كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 3-4)
أفديك من زائر رام الدنو فلم ... يسطعه من غرق في الدمع متقد
خاف العيون فوافاني على عجل ... معطلا جيده إلا من الغيد
عاطيته الكأس فاستحيت مدامتها ... من ذلك الشنب المعسول بالبرد
حتى إذا غازلت أجفانه سنة ... وصيرته كفك يد الصهباء طوع يدي
أردت توسيده خدي وقل له ... فقال كفك عندي أفضل الوسد
فبات في حرم لا غدر يذعره ... وبت ظمآن لم أصدر ولم أرد
بدر ألم وبدر التم ممتحق ... والأفق محلولك الأرجاء من حسد
تحير الليل فيه أين مطلعه ... أما درى الليل أن البدر في عضدي قال ابن بسام: وقد رأيت من يروي هذه القطعة لإدريس بن اليماني، وهو الأشبه بما له من الألفاظ والمعاني، وهي لمن كانت له منهما رائقة، ومتأخرة سابقة، في التزام العفاف مع السلاف؛ وما سمعت بأبدع منها لأحد من أهل هذا الأفق. وإنما أثبت هنا بعض مقطوعات في معناها لأهل المشرق ثم أعود لإيراد ملح أهل أفقنا، وأرجع إليها وأكر بعد عليها، وأقدم أولا الحديث: " من أحب فعف ومات فهو شهيد "، والعفاف مع البذل، كالاستطاعة مع الفعل، ولله در صريع الغواني، فهو صاحب بديع في أكثر المعاني، كقوله:
ألا رب يوم: صادق العيش نلته ... بها ونداماي العفافة والبذل