كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 3-4)
الحلال، وشق كمائم المعاني عن أبين من محاسن ربات الحجال، بين طبع أرق من الهواء، وأعذب من الماء، وعلمٍ أغزر من القطر، وأوسع من الدهر، إذا ذكر شعراً ظن أنه صانعه، أو ديواناً توهم أنه مؤلفه وجامعه واني لأعجب من قومٍ من أهل أفقنا لم يعرفوه ولم ينضفوه، فأضربوا عن ذكره، وزهدوا في أعلاق شعره، ولعلهم حاسبوه بخزعبلاتٍ كان يعبث بها بين مجونه وسكره، وهيهات فضله أشهر، وإحسانه أكثر، ولو تأملوا قوله من قصيدة في إسماعيل بن عباد: [32ب]
بكرت سحرةً قبيل الذهاب ... تنفض المسك عن جناح الغراب وقوله على أنها من عبثاته:
عليّ أن أتذلل ... له وأن يتدلل
خد كأن الثريا ... عليه قرط مسلسل لعلموا أنه رأس الصناعة، وإمام الجماعة.
ولما هيت المعتضد بأبي الوليد بن زيدون فانحط في حبله، وتولى إلى ظله - حسبما قدمت ذكره في أخباره من القسم الأول - أفرج له عن صدر النادي، وخلى بينه وبين بحبوحة الوادي، وهو يظن أن سيجري بالخلاء، ويستولي على حمل اللواء، فانتحاه من ابن حصن هذا شيطان مريد، وطلع عليه منه رقيب عتيد، وطفق ينازعه الراية، ويسابقه إلى