كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 3-4)

سعيد الداخل بجزيرة الأندلس، وهو كان صاحب صلاة الجماعة بقرطبة على عهد عبد الرحمن بن معاوية وهشام الرضي ابنه. وهوزن الذي نسب إليه، وغلب اسمه عليه، بطن من ذي الكلاع الأصغر.
وأفضى أمر إشبيلية إلى عباد، حسبما تقدم به الإيراد، وأبو حفص يومئذ ذات نفسها، وإياة شمسها، وناجذها الذي عنه تبتسم، وواحدها الذي بيده ينقض ويبرم. وكان بينه وبين عباد قبل إفضاء الأمر إليه، ومدار الرياسة عليه، إئتلاف الفرقدين، وتضافر اليدين، واصتال الأذن بالعين. ولما ثبتت قدم المعتضد في الرياسة، ودفع إلى التدبير والسياسة، أوجس منه ذعراً، وضاق بمكانه من الحضرة صدراً، وأحس بها أبو حفص وكان ألمعياً، وذكياً لوذعياً، لو أخطأ الحازم أجله، ونفعت المحتال حيله، فاستأذن المعتضد في الرحلة سنة أربعين وأربعمائة، فصادف غرته، وكفي إلى حينٍ معرته، واحتل صقلية تضيق عن فخره الآفاق، وتهادى عجائب ذكره الشام والعراق، ثم رحل إلى مصر وله هنالك صوت بعيد، ومقام محمود، ووصل إلى مكة، وروى في طريقه كتاب الترمذي في الحديث وعنه أخذه أهل المغرب، ثم رجع إلى الأندلس واستأذن المعتضد في سكنى مرسية: رأياً رآه، وبلداً اختاره وتوخاه، وأميرها يومئذ ابن طاهر؛ فلما غلب الروم على مدينة بربشتر سنة ست وخمسين، وقرف الندب، وتفاقم الخطب، وضاق عن ساكنه

الصفحة 82