كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 3-4)
الشرق والغرب، خاطب المعتضد برقعة يحضه فيها على الجهاد، ويستشيره إلى أين ينتقل من البلاد، فراجعه برسالة من إنشاء الوزير الكاتب أبي الوليد ابن المعلم، وهي ثابتة في أخباره من هذا القسم، يشير عليه فيها بالرجوع إلى بلداه، لا بل استدرجه إلى ملحده، فأذهله عما كان استشعر، وأنساه ما كان حذر، أجل قريب، وحمام مكتوب، ومصرع، لم يكن عنه مدفع؛ فاستقر بإشبيلية سنة ثمان وخمسين، ولقيه المعتضد فأعلى المحل، وفوض إليه في الكثر والقل، وعول عليه في العقد والحل. فلما كان يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة لربيع الأول سنة ستين أحضره القصر، وقد غلب [18أ]- زعموا - عليه السكر، وأمر خادمين من فتيانه بقتله، فكلاهما أشفق من سوء فعله، وفر، لا يبالي سيء عباد أو سر، فقام إليه هو بنفسه وباشر قتله بيده، فلم ينل عباد بعده سولاً، ولا متع بدنياه إلا قليلاً، وإلى الله الإياب، وعليه الحساب.
فصل من رقعة كان خاطب بها المعتضد من مرسية واستفتحها بهذه الأبيات:
أعباد جل الرزء والقوم هجع ... على حالة من مثلها يتوقع
فلق كتابي من فراغك ساعةً ... وإن طال فالموصوف للطول موضع
إذا لم أبث الداء رب دوائه ... أضعت وأهل للملام المضيع