كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 3-4)
وعكف على أطلال دائرة، بيد أنه كلما وفد على مهلك منهم في ظاهر أمره لقيه بالترحيب، وأجزل حظه بالتأنس والتقريب، وهو في الباطن يستجهل نزعته، ويستثقل طلعته، وما كان أفطن الفقيه، رحمه الله، بأمورهم، وأعلمه بتدبيرهم، لكنه كان يرجو حالاً تثوب، ومذنباً يتوب، ولم يخل مع ذلك من تأليف الدواوين وتدريسها، وتشييد المكارم وتأسيسها.
بلغني عن الفقيه أبي محمد بن حزم أنه كان يقول: لم يكن لأصحاب المذهب المالكي بعد عبد الوهاب مثل أبي الوليد الباجي، وقد ناظره بميورقة ففل من غربه، وسبب إحراق كتبه، ولكن أبا محمد وإن كان اعتقد خلافه، فلم يطرح إنصافه، أو حاول الرد عليه، فلم ينسب التقصير إليه.
وتوفي أبو الوليد الباجي، رحمه الله، سنة أربع وسبعين، وهو بسبيله من تصنيف الدواوين، في علوم الدين؛ وقد أخرجت ما وجدت من كلامه في هذا الفن الذي أنا في إقامة أوده.
ووجدت للوزير الكاتب أبي محمد بن عبد البر رقعةً كتبها عن مجاهد أمير دانية، وقته، إلى المظفر ببطليوس في صفته، يقول في فصل منها: الآفاق - أيدك الله - وإن وارت الأنوار والشهب، والأبعاد وإن كثفت