كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 138 """"""
ذكر ما ورد في إباحة الغناء والضرب بالآلة
وقد تكلم الناس في إباحة الغناء وسماع الأصوات والنغمات والآلات ، وهي الدف واليراع والقصب والأوتار على اختلافها من العود والطنبور وغيره ، وأباحوا ذلك واستدلوا عليه وضعفوا الأحاديث الواردة في تحريمه ، وتكلموا على رجالها وجرحوهم وبسطوا في ذلك المصنفات ووسعوا القول وشرحوا الأدلة . وطالعت من ذلك عدة تصانيف في هذا الفن مجردة له ومضافة إلى غيره من العلوم . وكان ممن تكلم في ذلك وجرد له تصنيفاً الشيخ الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي رحمه الله تعالى ، فقال في ذل ما نذكر مختصره ومعناه : اعلم أن الله تعالى بعث محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) بالحنيفية السمحة إلى الكافة . قال الله تعالى : " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون " . فبلغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وسن وشرع ، وأمر ونهى ، كما أمر ( صلى الله عليه وسلم ) . فليس لأحد بعده وبعد الخلفاء الراشدين الذين أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالاقتداء بهم والاتباع لسنتهم أن يحرم ما أحل الله عز وجل ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) إلا بدليل ناطق من آية محكمة ، أو سنة ماضية صحيحة ، أو إجماع من الأمة على مقالته .
وأما الاستدلال بالموضوعات والغرائب والأفراد من رواية المكذبين والمجرحين الذين لا تقوم بروايتهم حجة ، وبأقاويل من فسر القرآن على حسب مراده ورأيه ، فلا يرجع إلى قولهم ولا يسلك طريقهم ، إذ لو جاز ذلك لم يكن قول أحد من الناس أولى من قول غيره ، وإنما يلزم بقول من أيد بالوحي والتنزيل ، وعصم من التغيير والتبديل . قال الله تعالى : " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى " . فعلمنا أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لم يأمر ولم ينه عن أمر إلا بوحي من الله تعالى . وكذلك كان ( صلى الله عليه وسلم ) إذا سئل عن أمر لم ينزل فيه وحي توقف حتى يأتيه الوحي ، وليست هذه المنزلة لغيره فيلزم قبول قوله .