كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 143 """"""
سقيم ، وإنما استباح المتقدمون استماعه لأنه مما لم يرد الشرع بتحريمه ، وكان أصله الإباحة . وأما الأوتار ، فالقول فيها القول في القصب ، لم يرد الشرع بتحليلها ولا تحريمها . قال : وكل ما أوردوه في التحريم فغير ثابت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . ولا خلاف بين أهل المدينة في إباحة سماعه . ومن الدليل على إباحته أن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف مع جلالته وفقهه وثقته كان يفتي بحله ، وقد ضرب بالعود - وسنذكر خبره في ذلك بعد هذا إن شاء الله تعالى - ولم تسقط عدالته بفعله عند أهل العلم ، فكيف تسقط عدالة المستمع وكان يبالغ في هذا الأمر أتم مبالغة . وقد أجمعت الأئمة على عدالته واتفق البخاري ومسلم على إخراج حديثه في الصحيح ، وقد علم من مذهبه إباحة سماع الأوتار . والأئمة الذين رووا عنه أهل الحل والعقد في الآفاق إنما سمعوا منه ورووا عنه بعد استماعهم غنائه وعلمهم أنه يبيحه ، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل ، سمع منه ببغداد بعد حلفه أنه لا يحدث حديثاً إلا بعد أن يغني على عود ، وذلك أنه لا شك سمع غناءه ثم سمع حديثه . قال : وهذا أمر لم يردعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في تحليله ولا تحريمه نص يرجع إليه ، فكان حكمه كحكم الإباحة . وإنما تركه من تركه من المتقدمين تورعاً كما تركوا لبس اللين وأكل الطيب وشرب البارد والاجتماع بالنسوان الحسان ، ومعلوم أن هذا كله حلال . وقد ترك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أكل الضب وسئل عنه أحرام هو ؟ قال : " لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدنثي أعافه " وأكل على مائدته ( صلى الله عليه وسلم ) . وقد روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال : إذا رأيت أهل المدينة اجتمعوا على شيء فاعلم أنه سنة . وقد روي عن محمد بن سيرين رحمه اله أن رجلاً قدم المدينة بجوار ، فنزل على ابن عمر وفيهن جارية تضرب ، فجاء رجل فساومه فلم يهو منهن شيئاً . فقل : انطلق إلى رجل هو أمثل لك بيعاً من هذا ، فأتى إلى عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه ، فأمر جارية قال : خذي ، فأخذت العود حتى ظن ابن عمر أنه قد نظر إلى ذلك ، فقال ابن عمر : حسبك سائر اليوم من مزمور الشيطان ، قال : فبايعه . ثم جاء الرجل إلى ابن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إني

الصفحة 143