كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 146 """"""
قال الحافظ أبو الفضل : أما ما احتجوا به من الآيات في قوله تعالى : " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم " الآية . وما أوردوه في ذلك من الأسانيد إلى عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر رضي لله عنهم ، فنظرت في جميعها فلم أر فيها طريقاً يثبت إلا واحداً منها رواه يوسف بن موسى القطان عن جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم في قوله تعالى : " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال : الغناء وأشباهه . وسائرها لا يخلو من رواية ضعيف لا تقوم بروايته حجة . قال : ورأيت في بعضها رواية عطية العوفي عن ابن عباس من حديث غير ثابت أصلاً " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال : باطل الحديث وهو الغناء ونحوه ، وهو أن رجلاً من قريش اشترى جارية مغنية فنزلت فيه . قال : وهذا وإن لم يصح عندي الاحتجاج بسندهم فيلزمهم قبوله لأنهم احتجوا به فيكون في حق هذا الرجل بعينه .
وقد ورد في الآية تفسير ثالث يلزمهم قبوله على أصلهم ، وذكر حديثاً رفعه إلى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول في قوله عز وجل : " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " " اللعب والباطل وتشح نفسه أن يتصدق بدرهم " . قال : وهذا أيضاً غير ثابت عندي وإنما أوردت هذين التفسيرين مناقضة لما أوردوه فيما تمسكوا به .
قال : ولن أركن إلى هذا أبداً ولا أقنع به ولا أحتج عليه ولا ألزمهم إياه ، بل أقول صح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إجماع أهل السنة على أن السنة تقضي على الكتاب ، وأن الكتاب لا يقضي على السنة ، وقد جاءت السنة الصحيحة : أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) استمع للغناء وأمر باستماعه ، وقد أوردنا في ذلك من الأحاديث ما تقدم إيراده . قال : وجواب ثان يقال لهؤلاء القوم المحتجين بهذه التفاسير : هل علم هؤلاء الصحابة الذين أوردتم أقاويلهم من هذه الآية ما علمه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لم يعلمه ؟ فإن قالوا : لم يعلمه وعلمه هؤلاء ، كان جهلاً عظيماً بل كفراً . وإن قالوا : علمه ، قلنا : نقل إلينا عنه في تفسير هذه الآية مثل ما نقل عن هؤلاء من الصحابة ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بحاجل . ومن المحال أن يكون تفسير قوله عز وجل : " ومن