كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 155 """"""
واحتجوا بقول عثمان بن عفان رضي الله عنه : ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكرى بيميني منذ بايعت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . وهذا حديث رواه صقر بن عبد الرحمن عن أبيه عن مالك بن مغول عن عبد الله بن إدريس عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك في حديث القف والصيد .
قال المقدسي : هذا حديث لم أر فيه تحاملاً ، ورأيته ذكر من هذا أشياء لم يأت بها غيره توجب ترك حديثه والله أعلم . وقال الغزالي رحمه الله تعالى وذكر هذا الحديث : قلنا فليكن التمني ومس الذكر باليمين حراماً إن كان هذا دليل تحريم الغناء ، فمن أين ثبت أن عثمان كان لا يترك إلا الحرام .
قال الحافظ أبو الفضل المقدسي رحمه الله تعالى : فهذه الأحاديث وأمثالها احتج بها من أنكر السماع جهلاً منهم بصناعة علم الحديث وعرفته ، فترى الواحد منهم إذا رأى حديثاً مكتوباً في كتاب جعله لنفسه مذهباً واحتج به على مخالفه ، وهذا عظيم بل جهل جسيم . هذا ملخص ما أورده رحمه الله تعالى وفيه من الزيادات ما هو منسوب إلى الثعلبي والغزالي على ما بيناه في مواضعه .
وقد تكلم الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطويس رحمه الله تعالى على السماع في كتابه المترجم ب " إحياء علوم الدين " وبين دليل الإباحة وذكر بعد ذلك آداب السماع وآثاره في القلب والجوارح فقال : اعلم أن السماع هو أول الأمر ، ويثمر السماع حالة في القلب تسمى الوجد ويثمر الوجد تحريك الأطراف ، إما بحركة غير موزونة تسمى الاضطراب ، وإما موزونة فتسمى التصفيق والرقص . ثم بدأ بحكم السماع وبين الدليل على إباحته ثم ذكر ما تمسك به القائلون بتحريمه وأجاب عن ذلك بما نذكره أو مختصره إن شاء الله تعالى . قال رحمه الله تعالى : نقل أبو طالب المكي إباحة السماع عن جماعة وقال : سمع من الصحابة عبد الله بن جعفر ، وابن الزبير ، والمغيرة بن شعبة ، ومعاوية وغيرهم . وقد فعل ذلك كثير من السلف صحابي وتابعي . قال : ولم يزل الحجازيون عندنا بمكة يسمعون السماع في أفضل أيام السنة وهي الأيام المعدودات

الصفحة 155