كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 157 """"""
السماع فقال : اعلم أن قول القائل : السماع حرام ، معناه أن الله تعالى يعاقب عليه وهذا أمر لا يعرف بمجرد العقل بل بالسمع ، ومعرفة الشرعيات محصورة في النص أو القياس على المنصوص . قال : وأعني بالنص ما أظهره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقوله أو فعله ، وبالقياس المعنى المفهوم من ألفاظه وأفعاله ، فإن لم يكن فيه نص ولم يستقم فيه قياس على منصوص بطل القول بتحريمه ويبقى فعلاً لا حرج فيه كسائر المباحات ، ولا يدل على تحريم السماع نص ولا قياس . قال : وقد دل القياس والنص جميعاً على إباحة السماع .
أما القياس فهو أن الغناء اجتمع فيه معان ينبغي أن يبحث عن أفرادها ثم عن مجموعها فإن فيه سماع صوت طيب موزون مفهوم المعنى محرك للقلب . فالوصف الأعم أنه صوت طيب ، ثم الطيب ينقسم إلى الموزون وغيره . والموزون ينقسم إلى المفهوم كالأشعار ، وإلى غير المفهوم كأصوات الجمادات وأصوات سائر الحيوانات .
أما سماع الصوت الطيب من حيث إنه طيب فلا ينبغي أن يحرم بل هو حلال بالنص والقياس .
أما القياس فإنه يرجع إلى تلذذ حاسة السمع بإدراك ما هو مخصوص به . وللإنسان عقل وخمس حواس ولكل حاسة إدراك . وفي مدركات تلك الحاسة ما يستلذ . فلذة البصر في المبصرات الجميلة كالخضرة والماء الجاري والوجه الحسن وسائر الألوان الجميلة وهي في مقابلة ما يكره من الألوان الكدرة القبيحة . وللشم الروائح الطيبة وهي في مقابلة الأنتان المستكرهة . وللذوق الطعوم اللذيذة كالدسومة والحلاوة والحموضة وهي في مقابلة المرارة والمزازة المستبشعة . وللمس لذة اللين والنعومة والملاسة وهي في مقابلة الخشونة والضراسة . وللعقل لذة العلم والمعرفة وهي في مقابلة الجهل والبلادة . فكذلك الأصوات المدركة بالسمع تنقسم إلى مستلذة كصوت العنادل والمزامير ، ومستكرهة كنهيق الحمر وغيرها ، فما أظهر قياس هذه الحاسة ولذتها على سائر الحواس ولذاتها .