كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 158 """"""
وأما النص فيدل على إباحة سماع الصوت الحسن امتنان الله على عباده به إذ قال تعالى : " يزيد في الخلق ما يشاء " فقيل : هو حسن الصوت . وفي الحديث : " ما بعث الله نبياً إلا حسن الصوت " . وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " لله أشد أذناً للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته " وفي الحديث في معرض المدح لداود عبيه السلام : " أنه كان حسن الصوت في النياحة على نفسه وفي تلاوة الزبور حتى كان يجتمع الإنس والجن والوحش والطير لسماع صوته ، وكان يحمل من مجلسه أربعمائة جنازة وما يقرب من ذلك في الأوقات " . وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مدح أبي موسى الأشعري : " لقد أعطي مزماراً من مزامير آل داود " وقوله تعالى : " إن أنكر الأصوات لصوت الحمير " يدل بمفهومه على مدح الصوت الحسن . ولو جاز أن يقال : إنما أبيح ذلك بشرط أن يكون في القرآن للزمه أن يحرم سماع صوت العندليب لأنه ليس بقرآن . وإذا جاز سماع صوت غفل لا معنى له ، فلم لا يجوز سماع صوت يفهم منه الحكمة والمعاني الصحيحة وإن من الشعر لحكمة . قال : فهذا نظر في الصوت من حيث إنه طيب حسن .
الدرجة الثانية : النظر في الصوت الطيب الموزون فإن الوزن وراء الحسن ، فكم من صوت حسن خارج عن الوزن ، وكم من صوت موزون غير مستطاب . والأصوات الموزونة باعتبار مخارجها ثلاثة ، فإنها إما أن تكون من جماد كصوت المزامير والأوتار وضرب القضيب والطبل وغيره . وإما أن تخرج من حنجرة حيوان وذلك الحيوان إما إنسان وإما غيره . فصوت العنادل والقماري وذوات السجع من الطيور مع طيها موزونة متناسبة المطالع والمقاطع فلذلك يستلذ سماعها . والأصل في الأصوات حناجر الحيوانات . وإنما وضعت المزامير على صورة الحناجر وهي تشبيه الصنعة بالخلقة . وما من شيء توصل أهل الصناعات بصناعتهم إلى تصويره إلا وله مثال في الخلقة التي استأثر الله تعالى باختراعها ، منه تعلم الصناع وبه قصدوا الاقتداء . فسماع هذه الأصوات يستحيل أن يحرم لكونها طيبة أو موزونة فلا ذاهب إلى تحريم صوت العندليب وسائر الطيور . ولا فرق بين حنجرة وحنجرة ولا بين جماد وحيوان . فينبغي أن يقاس على صوت العندليب الأصوات الخارجة من سائر الأجسام باختيار الآدمي كالذي يخرج من حلقه أو من القضيب والطبل والدف وغيرها . ولا يستثنى من هذا إلا الملاهي والأوتار والمزامير ، إذ ورد الشرع