كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 159 """"""
بالمنع منها لا للذتها إذ لو كان للذة لقيس عليها كل ما يلتذ به الإنسان ولكن حرمت الخمور واقتضت ضراوة الناس بها المبالغة في الفطام عنها حتى انتهى الأمر في الابتداء إلى كسر الدنان ، فحرم معها ما هو شعار أهل الشرب وهي الأوتار والمزامير فقط . وكان تحريمه من قبيل الاتباع كما حرمت الخلوة لأنها مقدمة للجماع . وحرم النظر إلى الفخذ لاتصاله بالسوأتين . وحرم قليل الخمر وإن كان لا يسكر لأنه يدعو إلى المسكر . وما من حرام إلا وله حرم يطيف به . وحكم الحرمة ينسحب على حريمه ليكون حمى للحرام ووقاية له وحظاراً مانعاً حوله كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) : " إن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه " فهي محرمة تبعاً لتحريم الخمر .
الدرجة الثالثة : الموزون المفهوم وهو الشعر ، وذلك لا يخرج إلا من حنجرة الإنسان فيقطع بإباحة ذلك لأنه ما زاد إلا كونه مفهوماً . والكلام المفهوم غير حرام . والصوت الطيب الموزو غير حرام . فإذا لم يحرم الآحاد فمن أين يحرم المجموع ، نعم ينظر فيما يفهم منه ، إن كان فيه أمر محظور حرم نثره ونظمه وحرم التصويت به سواء كان بألحان أو لم يكن . والحق فيه ما قاله الشافعي رحمه الله إذ قال : الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح . ومهما جاز إنشاد الشعر بغير صوت وألحان جاز مع الألحان . فإن أفراد المباحات إذا اجتمعت كان مباحاً ، ومهما انضم مباح إلى مباح لم يحرم إلا إذا تضمن المجموع محظوراً لا تتضمنه الآحاد ، ولا محظور هاهنا . وكيف ينكر إنشاد الشعر وقد أنشد ين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : " إن من الشعر لحكمة " وساق رحمه الله في هذا الموضع الأحاديث الصحيحة التي تضمنت إنشاد الشعر والحداء به وهي أشهر من أن يحتاج إلى سردها . ثم قال بعد سياق الأحاديث : ولم يزل الحداء وراء الجمال من عادة العرب في زمان سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وزمان الصحابة ، وما هو إلا أشعار تؤدى بأصوات طيبة وألحان موزونة . ولم ينقل عن أحد من الصحابة إنكاره . بل ربما كانوا يلتمسون ذلك تارة لتحريك الجمال وتارة