كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 161 """"""
يحدو على جميل يستقي الماء من بئر هناك ، فلما رفع صوته هام ذلك الجمل وقطع حباله ووقعت أنا على وجهي ، فما أظن أني قط سمعت صوتاً أطيب منه .
قال : فإذا تأثير السماع في القلب محسوس . ومن لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال بعيد عن الروحانية ، زائد في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور بل على سائر البهائم فإن جميعها تتأثر بالنغمات الموزونة . ومهما كالناظر في السماع باعتبار تأثيره في القلوب لم يجز أن يحكم فيه مطلقاً بإباحة ولا تحريم ، بل يختلف ذلك بالأحوال والأشخاص واختلاف طرق النغمات ، فحكمه حكم ما في القلب .
قال أبو سليمان : السماع لا يجعل في القلب ما ليس فيه ، ولكن يحرك ما هو فيه .
ذكر أقسام السماع وبواعثه
وأقسام السماع تختلف باختلاف الأحوال : فإن منه ما هو مستحب وما هو مباح وما هو مكروه وما هو حرام . أما المستحب فهو لمن غلب عليه حب الله تعالى ولم يحرك السماع منه إلا الصفات المحمودة . وأما المباح فهو لمن لاحظ له من السماع إلا التلذذ بالصوت الحسن ، وأما المكروه فهو لمن لا ينزله على صورة المخلوقين ولكن يتخذه عادة في أكثر الأوقات على سبيل اللهو . وأما الحرام فهو لأكثر الناس من الشباب ومن غلبت عليه شهوة الدنيا فلا حرك السماع منهم إلا ما هو الغالب على قلوبهم من الصفات المذمومة . وقد تكلم على هذه الأقسام الإمام أبو حامد الغزالي فقال رحمه الله ما مختصره ومعناه : الكلمات المسجعة الموزونة تعتاد في مواضع لأغراض مخصوصة ترتبط بها آثار في القلب وهي سبعة مواضع : الأول : غناء الحجيج فإنهم يدورون أولاً في البلاد بالطبل والغناء وذلك مباح لما فيه من التشويق إلى الحج وأداء الفريضة وشهود المشاعر .