كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 164 """"""
عليه ذلك بعده إذ لا يجوز تحريك الشوق حيث لا يجوز تحقيقه بالوصال واللقاء . وأما من يتمثل في نفسه صورة صبي أو امرأة لا يجوز له النظر إليها وكان ينزل ما يسمع على ما يتمثل في نفسه فهو حرام لأنه محرك للفكر في الأفعال المحظورة ومهيج للداعية إلى مالا يباح الوصول إليه لا لأمر يرجع إلى نفس السماع . وقد سئل بعض الحكماء عن العشق فقال : دخان يصعد إلى دماغ الإنسان يزيله الجماع ويهيجه السماع .
السابع : سماع من أحب الله سبحانه وتعالى واشتاق إلى لقائه فلا ينظر إلى شيء إلا رآه فيه ، ولا يقرع سمعه قارع إلا سمعه منه أو فيه ، فالسماع في حقه مهيج لشوقه ، ومؤكد لعشقه وحبه ، ومور زناد قلبه ، ومستخرج منه أحوالاً من المكاشفات والملاطفات لا يحيط الوصف بها يعرفها من ذاقها وينكرها من كل حسه عن ذواقها ، وتسمى تلك الأحوال بلسان الصوفية وجداً - مأخوذ من الوجود - وللصوفية على هذا كلام يطول شرحه ليس هذا موضع إيراده . والله أعلم .
ذكر العوارض التي يحرم معها السماع
قال أبو حامد رحمه الله تعالى : والسماع يحرم بخمسة عوارض : عارض في المسمع وعارض في آلة السماع ، وعارض في نظم الصوت ، وعارض في نفس المستمع أو في مواطنه ، لأن أركان السماع هي المسمع والمستمع وآلة السماع .
العارض الأول : أن يكون المسمع امرأة لا يحل النظر إليها وتخشى الفتنة من سماعها ، وفي معناها الصبي الذي تخشى فتنته ، وهذا حرام لما فيه من خوف الفتنة ، وليس ذلك لأجل الغناء بل لو كانت المرأة بحيث تفتن بصوتها في المحاورة في غير ألحان فلا يجوز محاورتها ومحادثتها ولا سماع صوتها في القرآن أيضاً ، وكذلك الصبي الذي تخاف فتنته . فإن قلت : فهل تقول : إن ذلك حرام بكل حال حسماً للباب ، أو لا يحرم إلا حيث تخاف الفتنة . فأقول : هذه مسألة محتملة من حيث الفقه يتجاذبها أصلان :

الصفحة 164