كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 166 """"""
العارض الثالث : في نظم الصوت وهو الشعر فإن كان فيه شيء من الخنا والفحش والهجاء أو هو كذب على الله عز وجل أو على رسوله أو على الصحابة كما رتبه الروافض في هجاء الصحابة وغيرهم ، فسماع ذلك حرام بألحان وغير ألحان ، والمستمع شريك القائل وكذلك ما فيه وصف امرأة بعينها فإنه لا يجوز وصف المرأة بين يدي الرجال . وأما هجاء الكفار وأهل البدع فذلك جائز .
فقد كان حسان بن ثابت ينافح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويهاجي الكفار ، وأمره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك .
فأما النسيب وهو التشبيب بوصف الخدود والأصداغ وحسن القد والقامة وسائر أوصاف النساء فهذا فيه نظر . والصحيح أنه لا يحرم نظمه وإنشاده بلحن وغير لحن ، وعلى المستمع ألا ينزله على امرأة معينة إلا على من تحل له من زوجة أو جارية ، فإن نزله على أجنبية فهو العاصي بالتنزيل وإجالة الفكر فيه . ومن هذا وصفه فينبغي أن يجتنب السماع رأساً فإن من غلب عليه عشق نزل كل ما يسمعه عليه سواء كان اللفظ مناسباً أو لم يكن ، إذ ما من لفظ إلا ويمكن تنزيله على معان بطريق الاستعارة فالذي غلب عليه عشق خلوق ينبغي أن يحترز من السماع بأي لفظ كان ، والذي غلب عليه حب الله تعالى فلا تضره الألفاظ ولا تمنعه عن فهم المعاني اللطيفة المتعلقة بمجاري همته الشريفة .
العارض الرابع : في المستمع وهو أن تكون الشهوة غالبة عليه وكان في غرة الشباب وكانت هذه الصفة أغلب من غيرها عليه ، فالسماع حرام عليه سواء غلب على قلبه حب شخص معين أو لم يغلب . فإنه كيفما كان فلا يسمع وصف الصدغ والخد والوصال والفراق إلا ويحرك ذلك شهوته وينله على صورة معينة ينفخ الشيطان بها في قلبه فتشتعل فيه نار الشهوة وتحتد بواعث الشر . وذلك هو النصرة لحزب الشيطان والتخذيل للعقل المانع منه الذي هو حزب الله تعالى . والقتال في القلب دائم بين جنود الشيطان وهي الشهوات ، وبين حزب الله وهو نور العقل إلا في قلب قد فتحه أحد الجندين واستولى عليه بالكلية . وغالب القلوب قد فتحها جند الشيطان وغلب عليها فتحتاج حينئذ إلى أن تستأنف أسباب القتال لإزعاجه فكيف يجوز تكثير

الصفحة 166