كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 168 """"""
الحالة الثانية : أن يسمع بفهم ولكن ينزله على صورة إما معينة أو غير معينة وهو سماع الشباب وأرباب الشهوة ويكون تنزيلهم المسموع على حسب شهواتهم ومقتضى أحوالهم . وهذه الحالة أخس من أن تكلم فيها إلا ببيان خستها والنهى عنها . الحالة الثالثة : أن ينزل ما يسمعه على أحوال نفسه في معاملة الله تعالى وتقلب أحواله في التمكن منه مرة وبعده منه أخرى ، وهذا سماع المريدين لا سيما المبتدئين . فإن للمريد لا محالة مراداً هو مقصده ، ومقصده معرفة الله تعالى ولقاؤه والوصول إليه بطريق المشاهدة بالسر وكشف الغطاء ، وله في مقصده طريق هو سالكه ، ومعاملات هو مثابر عليها ، وحالات تستقبله في معاملاته . فإذا سمع ذكر عتاب أو خطاب أو قبول أو رد أو وصل أو هجر أو قرب أو بعد أو تلهف على فائت أو تعطش إلى منتظر أو شوق إلى وارد أو طمع أو يأس أو وحشة أو استئناس أو وفاء بالوعد أو نقض للعهد أو خوف فراق أو فرح بوصال أو ذكر ملاحظة الحبيب ومدافعة الرقيب أو همول العبرات أو ترادف الحسرات أو طول الفراق أو عدة الوصال أو غير ذلك مما يشتمل على وصفه الأشعار ، فلا بد أن يوافق بعضها حال المريد في طلبه ، فيجري ذلك مجرى القداح الذي يوري زناد قلبه ، فتشتعل به نيرانه ، ويقوى به انبعاث الشوق وهيجانه ، وتهجم عليه بسببه أحوال مخالفة لعاداته ، ويكون له مجال رحب في تنزيل الألفاظ على أحواله . وليس على المستمع مراعاة مراد الشاعر من كلامه ، بل لكل كلام وجوه ولكل ذي فهم في اقتباس المعنى منه حظ . وضرب الإمام الغزالي لذلك أمثلة يطول شرحها .
الحالة الرابعة : سماع من جاوز الأحوال والمقامات فعزت عن فهم ما سوى الله تعالى حتى عزل عن فسه وأحوالها ومعاملاتها وكان كالمدهوش الغائص ف عين الشهود الذي يضاهي حاله حال النسوة اللاتي قطعن أيديهن في مشاهدة جمال يوسف حتى بهتن وسقط إحساسهن . وعن مثل هذه الحالة تعبر الصوفية بأنه فني