كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 197 """"""
فأمر لي الرشيد بألف ألف درهم .
وحكى عن إسحاق بن إبراهيم قال : لما صنعت صوتي الذي هو :
قل لمن صدّ عاتبا . . . ونأى عنك جانبا
قد بلغت الذي أرد . . . ت وإن كنت لاعبا
وأعترفنا بما أدّعي . . . ت وإن كنت كاذبا
فأفعل الآن ما أرد . . . ت فقد جئت تائبا
اتصل خبره بإبراهيم بن المهدي فكتب إليّ يسألني عنه ، فكتبت إليه الشعر وإيقاعه وبسيطه ومجراه وإصبعه وتجزئته وأقسامه ومخارج نغمه ومواضع مقاطعه ومقادير أدواره وأوزانه فغناه ثم لقيني فغنانيه ، ففضلني فيه بحسن صوته .
وقال أبن أبي طيبة : كنت أسمع إبراهيم بن المهدي يتنحنح فأطرب .
وعن محمد بن خير عن عبد الله بن العباس الربيعي قال : كنا عند إبراهيم بن المهدي ذات يوم وقد دعا كل محسن من المغنين يومئذ وهو جالس يلاعب أحدهم بالشطرنج فترنم إبراهيم بصوت فريدة في شعر أبي العتاهية :
قال لي أحمدٌ ولم يدر ما بي . . . أتحبّ الغداة عتبة حقا
فتنفّست ثم قلت نعم حبّاً . . . جرى في العروق عرقاً فعرقاً
وهو متكئ ، فلما فرغ ترنم به مخارق فأحسن فيه وأطربنا وزاد على إبراهيم ، فغناه إبراهيم وزاد في صوته على غناء مخارق . فلما فرغ رده مخارقٌ وغناه بصوته كله وتحفظ فيه وكدنا نطير سروراً . فاستوى إبراهيم جالساً وكان متكئا وغناه بصوته كله ووفاه نغمه وشذوره ونظرت إلى كتفيه تهتزان وبدنه أجمع يتحرك إلى أن فرغ منه ومخارقٌ شاخص نحوه يرعد وقد أنتقع لونه وأصابعه تختلج فخيل إلي أن الإيوان يسير بنا ، فلما فرغ منه تقدم إليه مخارق فقبل يده وقال : جعلني الله فداك