كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 199 """"""
وعن الحسن بن إبراهيم بن رباح قال : كنت أسأل مخارقاً : أي الناس أحسن غناء ؟ فكان يجيبني جوابا مجملا ، حتى حققت عليه يوما فقال : كان إبراهيم الموصلي أحسن غناءً من أبن جامع بعشر طبقات ، وإبراهيم بن المهدي أحسن غناءً مني بعشر طبقات . ثم قال لي : أحسن الناس غناءً أحسنهم صوتا . وإبراهيم بن المهدي أحسن الإنس والجن والوحش والطير صوتاً ، وحسبك هذا .
وعن إسحاق بن إبراهيم قال : غنى إبراهيم بن المهدي ليلةً محمدا الأمين صوتا لم أرضه في شعر لأبي نواس ، وهو :
يا كثير النّوح في الدّمن . . . لا عليها بل على السّكن
سنّة العشّاق واحدةٌ . . . فإذا أحببت فأستنن
ظنّ بي من قد كلفت به . . . فهو يجفوني على الظّنن
رشأ لولا ملاحته . . . خلت الدّنيا من الفتن فأمر له بثلاثمائة ألف دينار . فقال له إبراهيم : يا أمير المؤمنين . أجزتني إلى هذه الغاية بعشرين ألف ألف درهم فقال : وهل هي إلا خراج بعض الكور . هكذا رواه إسحاق ، وقد حكيت هذه الحكاية عن محمد بن الحارث ، وفيها أن إبراهيم لما أراد الأنصراف قال : أوقروا زورق عمي دنانير فأوقروه ، فأنصرف بمال جليل . قال : وكان محمد بن موسى المنجم يقول : حكمت أن إبراهيم بن المهدي أحسن الناس كلهم غناء ببرهان ، وذلك أني كنت أراه في مجالس الخلفاء مثل المأمون والمعتصم يغني المغنون ويغني ، فإذا أبتدأ بالصوت لم يبق من الغلمان أحد إلا ترك ما في يديه وقرب من أقرب موضع يمكنه أن يسمعه فلا يزال مصغيا إليه لاهيا عما كان فيه ما دام يغني ، حتى إذا أمسك وتغنى غيره رجعوا إلى التشاغل بما كانوا فيه

الصفحة 199