كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 201 """"""
وكانت علية بنت المهدي من أجمل الناس وأظرفهم ، تقول الشعر الجيد وتصوغ فيه الألحان الحسنة . وكان في جبينها فضل سعة ، فاتخذت العصائب المكللة بالجوهر لتستر بها جبينها ؛ فهي أول من أحدث ذلك .
قال : وكانت علية حسنة الدين ، وكانت لا تغنى ولا تشرب النبيذ إلا إذا كانت معتزلة الصلاة ؛ فإذا طهرت أقبلت على الصلاة وقراءة القرآن وقراءة الكتب . ولم تله بشيءٍ غير قول الشعر في الأحيان ، إلا أن يدعوها الخليفة إلى شيءٍ فلا تقدر على خلافه . وكانت رحمها الله تقول : ما حرم الله شيئا إلا وقد جعل فيما حلل منه عوضا ، فبأي شيءٍ يحتج عاصيه والمنتهك لحرماته . وكانت تقول : لا غفر الله لي فاحشةً أرتكبتها قط ، وما أقول في شعري إلا عبثا .
وعن سعيد بن هريم قال : كانت علية بنت المهدي تحب أن تراسل بالأشعار من تختصه ، فأختصت خادماً يقال له طلٌ من خدم الرشيد ، تراسله بالشعر . فلم تره أياما ؛ فمشت على ميزاب وحدثته ثم قالت في ذلك :
قد كان ما كلّفته زمنا . . . ياطلّ من وجدٍ بكم يكفي
حتى أتيتك زائرا عجلا . . . أمشي على حتف إلى حتفي
فحلف عليها الرشيد ألا تكلم طلا ولا تسميه بأسمه ، فضمنت له ذلك . وأستمع عليها يوماً وهي تقرأ آخر سورة البقرة حتى بلغت إلى قوله عز وجل : " فإن لم يصبها وابلٌ " فأرادت أن تقول : فطلٌ فقالت : فالذي نهى عنه أمير المؤمنين . فدخل الرشيد فقبل رأسها وقال : قد وهبت لك طلاٌ ولا أمنعك بعدها من شيءٍ تريدينه . ولها في طل هذا عدة أشعار صنعت فيها ألحانا ، وكانت في بعضها نصحف أسمه وتكنى عنه بغيره . وكانت أيضا تقول الشعر في خادم لها يقال له : رشأ وتكنى عنه بزينب . فمن شعرها فيه :
وجد الفؤاد بزينبا . . . وجداً شديداً متعبا
أصبحت من كلفٍ بها . . . أدعى شقيّاً منصبا
ولقد كنيت عن أسمها . . . عمداً لكي لا تغضبا
وجعلت زينب سترةً . . . وكتمت أمراً معجبا