كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 204 """"""
وكأنها قد أندفعت تغنى به ، فما سمعت أحسن مما غنته ، وقد زادتني فيه أشياء في نومي لم أكن أعرفها ، فأنتبهت وأنا لا أعقل فرحاً به . فباكرت الخليفة وذكرت له القصة . فقالت عريب : هذا شيء صنعته أنت لما جرى أمس ، وأما الصوت فصحيح . فحلفت للخليفة بما رضي به أن القصة كما حكيت . فقال : رؤياك والله أعجب ، رحم الله علية ؟ فما تركت ظرفها حية ولا ميتة . وأجازني جائزة سنية .
وروى أبو الفرج أيضا بسنده إلى محمد بن جعفر بن يحيى بن خالد قال : شهدت أبي جعفراً وأنا صغير وهو يحدث جدي يحيى بن خالد في بعض ما كان يخبره به من خلوته مع هارون الرشيد ، قال : يا ابت ، أخذ بيدي أمير المؤمنين وأقبل في حجره يخترقها حتى أنتهى إلى حجرةٍ مغلقة ، ففتحها بيده ودخلها ودخلت وأغلق بابها من داخلٍ بيده ، ثم صرنا إلى رواق ففتحه ، وفي صدره مجلس مغلق فقعد على باب المجلس ، ونقر الباب بيده نقرات فسمعنا حساً ، ثم أعاد النقر ثانيةً فسمعنا صوت عود ، ثم أعاد النقر ثالثةً فغنت جارية ما ظننت والله أن الله جل وعز خلق مثلها في حسن الغناء وجودة الضرب . فقال لها أمير المؤمنين بعد أن غنت أصواتا : غنى صوتي ؛ فغنت صوته ، وهو :
ومخنّثٍ شهد الزّفاف وقبله . . . غنّى الجواري حاسراً ومنقّبا
لبس الدلال وقام ينقر دفّه . . . نقراً أقرّ به العيون وأطربا
إنّ النساء رأينه فعشقنه . . . فشكون شدّة ما بهنّ فأكذبا
قال : فطربت والله طرباً هممت معه أن أنطح برأسي الحائط . ثم قال : غنى :
طال تكذيبي وتصديقي
فغنت :
طال تكذيبي وتصديقي . . . لم أجد عهداً لمخلوق