كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 205 """"""
إنّ ناساً في الهوى غدروا . . . حسّنوا نقض المواثيق
لا تراني بعدهم أبداً . . . أشتكي عشقاً لمعشوق
قال : فرقص الرشيد ورقصت معه ؛ ثم قال : أمض بنا ، فإني أخشى أن يبدو منا ما هو أكثر من هذا ، فمضينا . فلما صرنا إلى الدهليز قال وهو قابضٌ على يدي : هل عرفت هذه المرأة ؟ فقلت : لا يا أمير المؤمنين . قال : فإني أعلم أنك ستسأل عنها ولا تكتم ذلك وأنا أخبرك بها ، هذه علية بنت المهدي . ووالله لئن لفظت به بين يدي أحد وبلغني لأقتلنك . قال : فسمعت جدي يقول لأبي : فقد والله لفظت به ؛ ووالله ليقتلنك ، فأصنع ما أنت صانع .
وأخبار علية وأغانيها كثيرة ، وقد ذكرنا منها ما يكتفي به .
قال أبو الفرج : وكان مولد علية سنة ستين ومائة ، وتوفيت سنة عشرة ومائتين ، وقيل : سنة تسع ومائتين ، ولها خمسون سنة . وكانت عند موسى بن عيسى ابن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما . وكان سبب وفاتها أن المأمون ضمها إليه وجعل يقبل رأسها ووجهها مغطى ، فشرقت من ذلك وسعلت ثم حمت بعقب هذا أياماً يسيرةً وماتت . رحمها الله .
ومنهم أبو عيسى بن الرشيد . هو أبو عيسى أحمد ، وقيل : بل أسمه صالح بن هارون الرشيد . وأمه أم ولد بربرية . كان من أحسن الناس وجها ومجالسة وعشرةً وأمجنهم وأحدهم نادرةً وأشدهم عبثاً . وكان أبو عيسى جميل الوجه جدا ؛ فكان إذا عزم على الركوب جلس الناس له حتى يروه أكثر مما كانوا يجلسون للخلفاء . وكانت عريب المأمونية تقول : ما سمعت غناءً أحسن من غناء أبي عيسى بن الرشيد ، ولا رأيت وجهاً أحسن من وجهه .
وروى أن الرشيد قال يوما لأبي عيسى وهو صبيٌ : ليت جمالك لعبد الله ؟ يعني المأمون فقال له : يا أمير المؤمنين ، على أن حظه منك لي . فعجب الرشيد من جوابه على صباه وضمه إليه وقبله .
قال أبو الفرج : وكان أبو عيسى جيد الصنعة ، وله أغانٍ منسوبةٌ إليه ومعروفةٌ به . منها :
رقدت عنك سلوتي . . . والهوى ليس يرقد

الصفحة 205