كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 207 """"""
لك لا عليك . قال : فركب المأمون إلى دار أبي عيسى فحضر جهازه وصلى عليه ونزل في قبره . وأمتنع من الطعام أياما حتى خيف أن يضر ذلك به . قال : وما رأيت مصابا حزينا قط أجمل أثراً في مصيبته ولا أحرق وجداً منه ، صامتٌ ودموعه تهمى على خديه من غير كلح ولا أستنثار .
وروى عن أحمد بن أبي داود قال : دخلت على المأمون وقد توفى أخوه أبو عيسى وهو يبكي ويمسح عينيه بمنديل ، فقعدت إلى جنب عمرو بن مسعدة وتمثلت قول الشاعر :
نقصٌ من الدّنيا وأسبابها . . . فحسبك منّي ما تجنّ الجوانح
كأن لم يمت حيٌّ سواك ولم تقم . . . على أحدٍ إلا عليك النوائح
ثم ألتفت إلي وقال : هيه يا أحمد فتمثلت بقول عبدة بن الطبيب :
عليك سلام الله قيس بن عاصمٍ . . . ورحمته ما شاء أن يترحّما
تحيّة من أوليته منك نعمةً . . . إذا زار عن شحطٍ بلادك سلّما
فما كان قيسٌ هلكه هلكٌ واحدٍ . . . ولكنّه بنيان قومٍ تهدّما