كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 210 """"""
نعم . فأخرج إلي ابنه القاسم ، وكنت قد عرفت خبره وهو أحسن من القمر ليلة البدر ، فأخذ عودا يضرب به ؛ فأكببت على يديه أقبلهما فقال لي عبد الله : أتقبل يد غلام مملوك فقلت : بأبي وأمي هو من مملوكٍ وقبلت رجله أيضا . فقال : أما إذ عرفته فأحب أن تضاربه ، ففعلت . فلما رأى الغلام زيادتي في الضرب عليه أغتم وأقبل على أبيه فقال له كالمعتذر إليه : يا أبت ، أنا متلذذ وهذا متكسب . فضحكت وقلت : هو كذلك يا سيدي . وعجبت من حدة جوابه معتذراً على صغر سنه .
قال عبد الله بن حبيب : كان عبد الله بن موسى الهادي معربدا ، وكان قد أعضل المأمون مما يعربد عليه إذا شرب معه ؛ فأمر به أن يحبس في منزله فلا يخرج منه ، وأقعد على بابه حرسا ؛ ثم تذمم من ذلك فأظهر له الرضا وصرف الحرس عن بابه . ثم نادمه فعربد عليه أيضا وكلمه بكلام أحفظه . وكان عبد الله مغرما بالصيد ؛ فأمر المأمون خادما من خواص خدمه يقال له حسن فسمه في دراجٍ ؛ فلما أكله أحس بالسم ، فركب في الليل وقال لأصحابه : هو آخر ما تروني ، ومات بعد أيام . وأكل معه خادمان ، فمات أحدهما لوقته ، وضنى الآخر ثم مات بعد مدة .
ومنهم عبد الله بن محمد الأمين . قال أبو الفرج الأصفهاني : كان عبد الله بن محمد الأمين ظريفا غزلا يقول شعراً لينا ويصنعه صنعةً صالحة . وكان بينه وبين أبي نهشل بن حميد مودة ؛ فاعترض عبد الله جاريةً مغنية لبعض نساء بني هاشم وأعطى بها مالا عظيما . وعرفت مولاتها منه رغبةً فيها فزادت عليه في السوم فتركها ؛ فأشتراها أخ لأبي نهشل ، فتبعتها نفس عبد الله ، فسأل أبا نهشل أن يسأل أخاه النزول عنها ؛ فسأله ذلك فوعده ودافعه . فكتب عبد الله إلى أبي نهشل :
يأبن حميدٍ يا أبا نهشل . . . مفتاح باب الحدث المقفل
يا أكرم الناس وداداً وأر . . . عاهم لحقٍّ ضائع مهمل
أحسنت في ودّي وأجملت بل . . . جزت فعال المحسن المجمل

الصفحة 210