كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 218 """"""
قال : وكان أحمد بن أبي داود ينكر أمر الغناء إنكاراً شديداً ؛ فأعلمه المعتصم أن أبا دلف صديقه يغني . فقال : ما أراه مع عقله يفعل ذلك فستر المعتصم أحمد بن أبي داود في موضع أبا دلف وأمره أن يغني ففعل ذلك وأطال ، ثم أخرج أحمد بن أبي داود عليه ؛ فخرج والكراهة ظاهرة في وجهه . فلما رآه أحمد قال : سوءةً لهذا من فعل أبعد هذه السن وهذا المحل تصنع بنفسك ما أرى فخجل أبو دلف وتشور وقال : إنهم ليكرهوني على ذلك . فقال : هبهم أكرهوك على الغناء أهم أكرهوك على الإحسان فيه والإصابة .
قال : وكان أبو دلف ينادم الواثق . فوصف للمعتصم فأحب أن يسمعه ، وسأل الواثق عنه فقال له : يا أمير المؤمنين ، أنا على نية الفصد غداً وهو عندي . وفصد الواثق فأتاه أبو دلف وأتته رسل الخليفة بالهدايا ، فأعلمهم الواثق حصول أبي دلف عنده . فلم يلبث أن أقبل الخدم يقولون : قد جاء الخليفة . فقام الواثق وكل من كان عنده حتى تلقوه ؛ وجاء حتى جلس ، وأمر بندماء الواثق فردوا إلى مجالسهم . وأقبل الواثق على أبي دلف فقال : يا قاسم ، إن أمير المؤمنين . فقال : صوتاً بعينه أو ما أخترت ؟ قال : بل من صنعتك في شعر جرير . فغنى :
بان الخليط برامتين فودّعوا . . . أو كلّما أعتزموا لبينٍ تجزع
كيف العزاء ولم أجد مذ غبتم . . . قلباً يقرّ ولا شراباً ينقع
فقال المعتصم : أحسن أحسن ثلاثا وشرب رطلاً . ولم يزل يستعيده حتى شرب تسعة أرطال . ثم دعا بحمال فركبه ، وأمر أبا دلف أن ينصرف معه ؛ فخرج معه فثبت في ندمائه ، وأمر له بعشرين ألف دينار .
قال : وكان أبو دلف جواداً ممدحا . وفيه يقول علي بن جبلة من قصيدة يقول فيها :
ذاد ورد الغيّ عن صدره . . . وأرعوى واللّهو من وطره

الصفحة 218