كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 226 """"""
منّى علي عانٍ أطلت عناءه . . . في الغلّ عندك والعناة تسرّح
إني لأنصحكم وأعلم أنّه . . . سيّان عندك من يغشّ وينصح
وإذا شكوت إلى سلامة حبّها . . . قالت أجدٌّ منك ذا أم تمزح
وهذا من أقدم الغناء العربي المنقول عن الفارسي . قال : وعاش سعيد بن مسجح حتى لقيه معبد وأخذ عنه في ايام الوليد بن عبد الملك .
ومن أخبار سعيد ما رواه أبو الفرج الأصفهاني بسند رفعه قال : كتب عامل لعبد الملك بن مروان بمكة إليه أن رجلا أسود يقال له سعيد بن مسجح قد أفسد فتيان قريش وأنفقوا عليه أموالهم . فكتب إليه : أن أقبض ماله وسيره إلي . فتوجه أبن مسجح إلى الشام ؛ فصحبه رجل له جوارٍ مغنيات في الطريق . فقال له : أين تريد ؟ فأخبره الخبر وقال : أريد الشام ؛ فصحبه حتى بلغا دمشق ، فدخلا مسجدها فسألا : من أخص الناس بأمير المؤمنين ؟ فقالوا : هؤلاء النفر من قريش وبنو عمه . فوقف أبن مسجح عليهم فسلم ، ثم قال : يا فتيان ، هل فيكم من يضيف رجلا غريبا من أهل الحجاز ؟ فنظر بعضهم إلى بعض وكان عليهم موعد أن يذهبوا إلى قينة يقال لها برق الأفق ، فتثاقلوا به إلا فتىً منهم تذمم فقال له : أنا أضيفك ، وقال لأصحابه : أنطلقوا أنتم وأنا أذهب مع ضيفي . فقالوا : لا ، بل تجيء معنا أنت وضيفك . فذهبوا جميعا إلى بيت القينة . فلما أتوا بالغداء قال لهم سعيد : إني رجل أسود ، ولعل فيكم من يقذرني ، فأنا أجلس وآكل ناحيةً وقام ؛ فأستحيوا منه وبعثوا له بما أكل . فلما صاروا إلى الشراب قال لهم مثل ذلك ففعلوا . ثم أخرجوا جاريتين ، فجلستا على سرير قد وضع لهما فغنتا إلى العشاء ثم دخلتا ؛ وخرجت جارية حسنة الوجه والهيئة وهما معها فجلستا أسفل السرير عن يمينه وشماله ولجست هي على السرير . قال أبن مسجح : فتمثلت هذا البيت :
فقلت أشمسٌ أم مصابيح بيعةٍ . . . بدت لك خلف السّجف أم أنت حالم

الصفحة 226