كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 227 """"""
فغضبت الجارية وقالت : أيضرب مثل هذا الأسود بي الأمثال فنظروا إلي نظراً منكرا ، ولم يزالوا يسكنونها . ثم غنت صوتا . قال ابن مسجح : فقلت : أحسنت والله فغضب مولاها وقال : أمثل هذا الأسود يقدم على جاريتي فقال لي الرجل الذي أنزلني عنده : قم فأنصرف إلى منزلي ، فقد ثقلت على القوم . فذهبت أقوم . فتذمم القوم وقالوا : بل أقم وأحسن أدبك : فأقمت . فغنت ، فقلت : أخطأت والله وأسأت ثم أندفعت فغنيت الصوت ؛ فوثبت الجارية فقالت لمولاها : هذا أبو عثمان سعيد بن مسجح . فقلت : إي والله ، أنا هو ، والله لا أقيم عندكم ووثبت ؛ فثوب القرشيون : فقال هذا : تكون عندي ، وقال هذا : تكون عندي ، وقال هذا : بل عندي ، فقلت : والله لا أقيم إلا عند سيدكم يعني الرجل الذي أنزله منهم وسألوه عما أقدمه . فأخبرهم . فقال له صاحبه : إني أسمر الليلة عند أمير المؤمنين ، فهل تحسن أن تحدو ؟ فقال : لا والله ، ولكني أصنع حداءً . فقال له : إن منزلي بحذاء منزل أمير المؤمنين ، فإذا وافقت منه طيب نفس أرسلت إليك . ومضى إلى عبد الملك . فلما رآه طيب النفس أرسل إلى أبن مسجح ؛ فأخرج رأسه من وراء شرف القصر ثم حدا :
إنك يا معاد يأبن الفضّل . . . إن زلزل الأقدام لم تزلزل
عن دين موسى والكتاب المنزل . . . تقيم أصداغ القرون الميلّ
للحق حتى ينتحوا للأعدل
فقال عبد الملك للقرشي : من هذا ؟ فقال : رجل حجازي قدم علي . قال : أحضره ، فأحضره . ثم قال له : هل تغني غناء الركبان ؟ فغنى . فقال له : هل تغني الغناء المتقن ؟ قال نعم . قال : هيه ، فغنى ؛ فأهتز عبد الملك طرباً ، ثم قال : أقسم بالله إن لك في القوم أسما كبيرا ، من أنت ؟ ويلك قال : أنا المظفوم المقبوض ماله المسير عن وطنه سعيد بن مسجح ، قبض مالي عامل الحجاز ونفاني . فتبسم عبد الملك ثم قال : قد وضح عذر فتيان قريش في أن ينفقوا عليك أموالهم ؛ وأمنه ووصله وكتب إلى عامله بالحجاز أن أردد إليه ماله ، ولا تتعرض إليه بسوء . والله أعلم .

الصفحة 227