كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 231 """"""
حكى أبو الفرج الأصفهاني بسنده إلى المدائني قال : قدم أبن سريح المدينة ، فجلس يوما في جماعة وهم يقولون له : أنت والله أحسن الناس غناء ، إذ مر بهم طويس فسمعهم وما يقولون ، فأستل دفه من حضنه ونقره وغنى ؛ فلما سمعه أبن سريج قال : هذا والله أحسن الناس غناءً لا أنا . وقال المدائني ، قال مسلمة أبن محارب : حدثني رجل من أصحابنا قال : خرجنا في سفر ومعنا رجلٌ من أصحابنا فانتهينا إلى واد ، فدعونا بالغداء ، فمد الرجل يده إلى الطعام فلم يقدر عيه ، وكان قبل ذلك يأكل معنا ؛ فخرجنا نسأل عن حاله فنلقي رجلا طويلا أحول مضطرب الخلق في زي الأعراب ؛ فقال لنا : مالكم ؟ فأنكرنا سؤاله لنا ؛ فأخبرناه خبر الرجل فقال : ما أسم صاحبكم ؟ فقلنا : أسيد ؛ فقال : هذا واد قد أخذت سباعه فارتحلوا ، فلو قد جاوزتم الوادي أستمر صاحبكم وأسد وأكل . قلنا في أنفسنا : هو من الجن ، ودخلتنا فزعة . ففهم ذلك وقال : ليفرخ روعكم فأنا طويس . فقال له رجل منا : مرحباً بك أبا عبد النعيم ، ما هذا الزي ؟ فقال : دعاني بعض أودائي من الأعراب فخرجت إليهم وأحببت أن أتخطى الأحياء فلا ينكروني . فسأله رجل منا أن يغنينا ؛ فأندفع ونقر بدفٍ كان معه مربع ، فلقد خيل لي أن الوادي ينطق معه حسناً . وتعجبنا من علمه وما أخبرنا به من أمر صاحبنا . قال المدائني : وكان طويس ولعاً بالشعر الذي قالته الأوس والخزرج في حروبهم ، وكان يريد بذلك الإغراء ؛ فقل مجلسٌ أجتمع فيه هذان الحيان فغنى فيه طويس إلا وقع فيه شيء . فنهى عن ذلك ، فقال : والله لا تركت الغناء بشعر الأنصار حتى يوسدوني التراب ؛ وذلك لكثرة تولع القوم به ، وكان يبدي السرائر ويخرج الضغائن ؛ وغناؤه يستحسن ولا يصبر عن حديثه .
وحكى الأصبهاني عفا الله عنه قال : كان بالمدينة مخنث يقال له النغاشي . فقيل لمروان بن الحكم : إنه لا يقرأ من كتاب الله تعالى شيئا . فبعث إليه فاستقرأه أم