كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 235 """"""
أبقيت لك حاجة ؟ قال نعم ، تنزل لأخاطبك ؛ فنزل إليه فإذا هو يزيد ابن عبد الملك ، فأعطاه حلته وخاتمه وقال : خذهما ولا تخدع فيهما فإن شراءهما ألف وخمسمائة دينار ؛ فعاد أبن سريج بهما فأعطاهما لعمر بن أبي ربيعة وقال : هما بك أشبه منهما بي ، فأخذهما وعوضه عنهما ثلثمائة دينار ؛ وغدا فيهما إلى المسجد ، فعرفهما الناس وجعلوا يتعجبون ويسألون عمر عنهما ، فيخبرهم أن يزيد بن عبد الملك كساه ذلك . وقيل : إن عمر بن عبد العزيز مر به فسمع أبن سريج وهو يغني ، فقال : لله در هذا الصوت لو كان بالقرآن .
قال إبراهيم بن المهدي : كان أبن سريج رجلا عاقلا أديبا ، وكان يعاشر الناس بما يشتهون فلا يغنيهم بما مدح به أعداؤهم ولا بما فيه عارٌ عليهم أو غضاضة منهم .
ومن أخباره ما حكاه أبو الفرج الأصبهاني بإسناده ، قال : كتب الوليد بن عبد الملك إلى عامل مكة أن أشخص إلي أبن سريج فأشخصه إليه . فلما قدم مكث أياما لا يدعوه ولا يلتفت إليه ، ثم ذكره فأستحضره ، فدخل عليه وسلم فأذن له بالجلوس وأستدناه حتى كان قريبا منه ؛ فقال : ويحك يا عبيد لقد بلغني عنك ما حملني على الوفادة بك من كثرة أدبك وجودة أختيارك مع ظرف لسانك وحلاوة مجلسك . قال : جعلت فداءك يا أمير المؤمنين تسمع بالمعيدي لا أن تراه ، قال الوليد : إني لأرجو ألا تكون أنت ذاك ، ثم قال : هات ما عندك ؛ فأندفع يغني بشعر الأحوص :
وإنّي إذا حلّت ببيشٍ مقيمة . . . وحلّ بوجٍّ جالساً أو تتهّما

الصفحة 235