كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 240 """"""
وعزا بسط يدك فيه فلم يقبضه عنك ولا يفعل إن شاء الله ، فأدام الله لك ما ولاك وحفظك فيما أسترعاك ، فإنك أهل لما أعطاك ، ولا ينزعه منك إذ رآك له موضعا . قال : يا نوفلي ، وخطيبٌ أيضا قال أبن سريج : عنك نطقت ، وبلسانك تكلمت ، وبعزك بينت ، وكان قد أمر بإحضار الأحوص بن محمد الأنصاري وعدي بن الرقاع العاملي ، فلما قدما عليه أمر بإنزالهما حيث أبن سريج فأنزلا منزلا بجوار منزله . فقالا : والله لقرب أمير المؤمنين كان أحب إلينا من قربك يا مولى بني نوفل ، وإن في قربك لما يلذنا ويشغلنا عن كثير مما نريد . فقال لهما أبن سريج : أو قلة شكر فقال له عدي : كأنك يا بن اللخناء تمن علينا ، علي وعلي إن جمعنا وإياك سقف بيت أو صحن دار عند أمير المؤمنين ، فقال الأحوص : أولا تحتمل لأبي يحيى الزلة والهفوة ، وكفارة يمينٍ خيرٌ من لجاج في غير منفعة . فتحول عدي وبقي الأحوص . وبلغ الوليد ما جرى بينهم ، فدعا أبن سريج فأدخله بيتاً وأرخى دونه ستراً ثم أمره إذا فرغ الأحوص وعديٌ من كلمتيهما أن يغني ، فلما دخلا وأنشداه مدائح لهما فيه ، رفع أبن سريج صوته من حيث لا يرونه وضرب بعود . فقال عدي : يا أمير المؤمنين ، أتأذن لي أن أتكلم ؟ قال : قل يا عاملي ، قال : مثل هذا عند أمير المؤمنين ويبعث إلى أبن سريج يتخطى رقاب قريشٍ والعرب من تهامة إلى الشام ترفعه أرضٌ وتخفضه أخرى ليسمع غناءه ّ قال : ويحك يا عدي أولا تعرف هذا الصوت ؟ قال : لا والله ما سمعته قط ولا سمعت مثله ، ولولا أنه في مجلس أمير المؤمنين لقلت طائفةٌ من الجن يتغنون ، فقال : أخرج عليهم ، فخرج فإذا أبن سريج . فقال عدي : حق لهذا أن يحمل حق لهذا أن يحمل ثلاثا ، ثم أمر لهما بمثل ما أمر به لأبن سريج وأرتحل القوم .
وروى أبو الفرج أيضا عن سهل بن بركة وكان يحمل عود أبن سريج قال : كان على مكة نافع بن علقمة الكناني فشدد في الغناء والمغنين والنبيذ ونادى في المخنثين . فخرج فتيةٌ من قريش إلى بطن محسر وبعثوا برسول لهم ، فجاءهم براويةٍ من شراب الطائف ، فلما شربوا وطربوا قالوا : لو كان معنا أبن سريج تم سرورنا ، فقلت : هو علي لكم ، فقال لي بعضهم : دونك هذه البغلة فاركبها وأمض إليه ، فأتيته فأخبرته بمكان القوم وطلبهم إياه ؛ فقال لي : ويحك وكيف لي بذلك مع

الصفحة 240