كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)
"""""" صفحة رقم 241 """"""
شدة السلطان في الغناء وندائه فيه . فقلت له : أتردهم ؟ قال : لا والله فكيف لي بالعود ؛ فقلت : أنا أخبؤه لك فشأنك . فركب وسترت العود فأردفني . فلما كنا ببعض الطريق إذا بنافع بن علقمة قد أقبل ؛ فقال لي : يا أبن بركة ، هذا الأمير . فقلت له : لا بأس عليك أرسل عنان البغلة وأمض ولا تخف ، ففعل . فلما حاذيناه عرفني ولم يعرف أبن سريج ، فقال لي . يا أبن بركة ، من هذا أمامك ؟ قلت : من ينبغي أن يكون هذا أبن سريج ؛ فتبسم ثم تمثل :
فإن تنج منها يا أبان مسلّماً . . . فقد أفلت الحّجاج خيل شبيب
ثم مضى ومضينا . فلما كنا قريبا من القوم نزل إلى شجرة يستريح . فقلت له : غنني مرتجلا ؛ فرفع صوته فخيل إلي أن الشجرة تنطق معه ، فغنى وقال :
كيف الثّواء ببطن مكة بعدما . . . همّ الذين تحبّ بالإنجاد
أم كيف قلبك إذ ثويت مخمّراً . . . سقماً خلافهم وكربك بادي
هل أنت إن ظعن الأحبّة غادى . . . أم قبل ذلك مدلجٌ بسواد
قال : فقلت : أحسنت والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ولو أن كنانة كلها سمعتك لأستحسنتك ، فكيف بنافع بن علقمة المغرور من غره نافع . ثم قلت : زدني وإن كان القوم متعلقة قلوبهم بك ؛ فغنى وتناول عودا من الشجرة فوقع به على الشجرة ؛ فكان صوت الشجرة أحسن من خفق بطون الضأن على العيدان إذا أخذتها عيدان الدملى ، وغنى :
لا تجمعي هجراً عليّ وغربةً . . . فالهجر في تلف المحبّ سريع
من ذا فديتك يستطيع لحبه . . . دفعاً إذا أشتملت عليه ضلوع