كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 242 """"""
فقلت : بنفسي أنت والله ، من لا يكلّ ولا يملّ والله ما جهل من فهمك ، اركب بنا فدتك نفسي . قال : أمهلني كما أمهلتك أقض بعض شأني . فقلت : وهل عما تريد مدفعٌ . فقام فصلى ركعتين ثم ضرب بيده إلى الشجرة وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . ثم مضينا والقوم مستشرفون . فلما دنونا منهم إذا الغريض يغنيهم :
من خيل حيٍّ لا تزال مغيرةً . . . سمعت على شرف صحيل حصان
فبكى أبن سريج حتى ظننت أن نفسه قد خرجت . فقلت : ما يبكيك يا أبا يحيى ؟ جعلت فداك لا يسوءك الله ولا يريك سوءاً قال : أبكاني هذا المهنث بحسن غنائه وشجا صوته ، والله ما ينبغي لأحد أن يغني وهذا الصبي حيٌ ؛ ثم نزل وأستراح وركب . فلما سرنا هنيهةً أندفع الغريض يغني لهم بلحنه :
يا خليليّ قد مللت ثوائي . . . بالمصلّى وقد سئمت البقيعا
بلّغاني ديار هندٍ وسعدى . . . وأرجعاني فقد هويت الرجوعا
قال : ولصوته دويٌ في تلك الجبال . فقال أبن سريج : يا أبن بركة ، أسمعت مثل هذا الغناء قط ؟ قال : ونظروا إلينا فأقبلوا نشاوى يسحبون أعطافهم وجعلوا يقبلون وجه أبن سريج . فنزل فأقام عندهم ثلاثاً ، والغريض لا ينطق بحرف ، وأخذوا في شرابهم وقالوا : يا حبيب النفس وشقيقها ، أعطها بعض شأنها . فضرب بيده إلى جيبه فأخرج منه مضراباً ثم أخذه بيده ووضع العود في حجره فما رأيت يداً أحسن من يده ولا خشبةً تخيلت لي أنها جوهرةٌ إلا هي ثم ضرب فلقد ضج القوم جميعا ؛ ثم غنى فكلٌ قال : لبيك لبيك فكان مما غنى به واللحن له هزجٌ :
لبّيك يا سيّدتي . . . لبّيك ألفاً عددا
لبّيك من ظالمةٍ . . . أحببتها مجتهدا
قومي إلى ملعبنا . . . نحك الجواري الخرّدا
وضع يدٍ فوق يدٍ . . . نرفعها يداً يدا

الصفحة 242