كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 245 """"""
وكان معبد قد علمها هذا الصوت فندبته به . قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي : كان معبد من أحسن الناس غناءً ، وأجودهم صنعة ، وأحسنهم حلقاً ؛ وهو إمام أهل المدينة في الغناء ، وأخذ عن سائب خاثرٍ ونشيط الفارسي مولى عبد الله بن جعفر ، وعن جميلة مولاة بهز بطن من بني سليم . وفي معبدٍ يقول الشاعر :
أجاد طويسٌ والسّريجيّ بعده . . . وما قصبات السّبق إلا لمعبد
وحكى أبو الفرج أيضا : أن الوليد بن يزيد أشتاق إلى معبد ، فوجه إليه البريد إلى المدينة فأحضره . فلما بلغ الوليد قدومه أمر ببركة ملئت ماء ورد وخلط بمسك وزعفران ، ثم جلس الوليد على حافة البركة وفرش لمعبدٍ مقابله وضرب بينهما سترٌ ليس معهما ثالث . وجيء بمعبد فقيل له : سلم على أمير المؤمنين وأجلس في هذا الموضع ؛ فسلم فرد عليه من خلف السجف ، ثم قال له : أتدري لم وجهت إليك ؟ قال : الله أعلم وأمير المؤمنين . قال : ذكرتك فأحببت أن أسمع منك . فقال له معبد : أأغني ما حضر أو ما يقترحه أمير المؤمنين ؟ قال : بل غن :
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم . . . حتى تفانوا وريب الدهر عدّاء
فغناه . فرفع الجواري السجف ، ثم خرج الوليد فألقى نفسه في البركة فغاص فيها ، ثم خرج منها ، فأستقبله الجواري بثياب غير الثياب التي كانت عليه ، ثم شرب وسقى معبداً ثم قال له : غنني يا معبد :
يا ربع مالك لا تجيب متيّماً . . . قد عاج نحوك زائراً ومسلّما
جادتك كلّ سحابةٍ هطّالةٍ . . . حتى ترى عن زهرةٍ متبسّما
لو كنت تدري من دعاك أجبته . . . وبكيت من حرقٍ عليه إذاً دما

الصفحة 245