كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 246 """"""
قال : فغناه . وأقبل الجواري فرفعن الستر ، وخرج الوليد فألقى نفسه في البركة فغاص فيها ثم خرج ، فلبس ثياباً غير تلك الثياب ، ثم شرب وسقى معبداً وقال له : غنني يا معبد :
عجبت لمّا رأتني . . . أندب الربع المحيلا
واقفاً في الدار أبكي . . . لا أرى إلاّ الطلولا
كيف تبكي لأناسٍ . . . لا ميلّون الذّميلا كلما قلت أطمأنت . . . دارهم جدّوا الرحيلا
قال : فلما غناه ألقى نفسه في البركة ثم خرج فردوا عليه ثيابه ، ثم شرب وسقى معبدا وقال له : يا معبد ، من أراد أن يزداد حظوةً عند الملوك فليكتم أسرارهم . فقال : ذلك مما لا يحتاج أمير المؤمنين إلى إيصائي به . فقال الوليد : يا غلام أحمل إلى معبد عشرة آلاف دينار تحصل له في بلده وألفي دينار لنفقة طريقه ؛ فحملت إليه كلها ، وحمل على البريد من وقته إلى المدينة . وقد قيل : إنه أعطاه في ذلك المجلس خمسة عشر ألف دينار .
وقال أبو الفرج بسند رفعه : إن معبدا كان قد علم جاريةً من جواري الحجاز الغناء تدعى طيبة وعنى بتخريجها ؛ فأشتراها رجل من أهل العراق وأخرجها إلى البصرة وباعها هناك ، فأشتراها رجل من أهل الأهواز فأعجب بها وذهبت به كل مذهبٍ وغلبت عليه ، ثم ماتت بعد أن أقامت عنده برهةً من الزمان ؛ فأخذ جواريه أكثر غنائها عنها . فكان لمحبته إياها وأسفه عليها لا يزال يسأل عن أخبار معبد وأين مستقره ، ويظهر التعصب له والميل إليه والتقديم لغنائه على سائر الأغاني من أهل عصره ، إلى أن عرف ذلك منه وبلغ معبداً خبره . فخرج من مكة حتى أتى البصرة ؛ فلما وردها صادف الرجل قد خرج عنها في ذلك الوقت واليوم إلى الأهواز . فجاء معبدٌ في طلب سفينة تحمله إلى الأهواز ، فلم يجد غير سفينة الرجل ، فركب فيها وكلاهما لا يعرف الآخر ؛ وأنحدرت السفينة . فلما صاروا بفم نهر الأبلة ، أمر الرجل جواريه بالغناء فغنين ، إلى أن غنت

الصفحة 246