كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 4)

"""""" صفحة رقم 247 """"""
إحداهن صوتا من غناء معبد فلم تجد أداءه ؛ فصاح بها معبد : يا جارية ، إن غناءك هذا ليس بمستقيم . فقال مولاها وقد غضب : وأنت ما يدريك الغناء ما هو ألا تمسك وتلزم شأنك فأمسك . ثم غنت أصواتا من غناء غيره وهو ساكتٌ لا يتكلم حتى غنت من غنائه فأخلت ببعضه ؛ فقال لها معبد : يا جارية ، قد أخللت بهذا الصوت إخلالا كثيرا . فغضب الرجل وقال له : ويلك ما أنت والغناء ألا تكف عن هذا الفضول فأمسك معبدٌ . وغنى الجواري ملياً ؛ ثم غنت إحداهن صوتاً من غنائه فلم تصنع فيه شيئاً . فقال لها معبد : يا هذه ، أما تقومين على أداء صوتٍ واحد فغضب الرجل وقال له : ما أراك تدع هذا الفضول بوجهٍ ولا حيلةٍ فأقسم بالله إن عاودت لأخرجنك من السفينة . فأمسك معبدٌ ، حتى سكتت الجواري سكتةً ، فاندفع يغني الصوت الأول حتى فرغ منه . فصاح الجواري : أحسنت والله يا رجل ، فأعده . قال : لا والله ولا كرامة . ثم أندفع يغني الثاني ؛ فقلن لسيدهن : ويحك هذا والله أحسن الناس غناءً ، فسله أن يعيده علينا ولو مرة واحدة لعلنا نأخذه منه ، فإنه إن فاتنا لم نجد مثله أبدا . قال : قد سمعتن سوء رده عليكن وأنا خائف مثله منه ، وقد أستقبلناه بالإساءة ، فأصبر ، حتى نداريه . قال : ثم غنى الثالث فزلزل عليهم الأرض . فوثب الرجل فقبل رأسه ، وقال : يا سيدي أخطانا عليك ولم نعرف موضعك . فقال له : وهبك لم تعرف موضعي ، قد كان ينبغي لك أن تتثبت ولا تسرع إلى سوء العشرة وجفاء القول . فلم يزل يرفق به حتى نزل إليه ، وكان معبدٌ قد أجلس في مؤخر السفينة . فقال له الرجل : ممن أخذت هذا الغناء ؟ قال : من بعض أهل الحجاز ، فمن أين أخذه جواريك ؟ قال : أخذنه من جارية كانت لي ، كانت قد أخذت الغناء عن أبي عباد معبد وكانت تحل مني مكان الروح من الجسد ، ثم أستأثر الله بها وبقي هؤلاء الجواري وهن من تعليمها ، فأنا إلى الآن أتعصب لمعبد وأفضله على المغنين جميعا ، وأفضل صنعته على كل صنعة . فقال له معبد : وإنك لأنت هو أفتعرفني ؟ قال لا . قال : فصك معبد بيده صلعته ثم قال : فأنا والله معبدٌ وإليك قدمت من الحجاز ووافيت البصرة ساعة نزلت السفينة لأقصدك بالأهواز ، ووالله لا قصرت في جواريك هؤلاء ولأجعلن لك في كل واحدة خلفاً من الماضية . فأكب الرجل والجواري على يده ورجليه يقبلونها ويقولون : كتمتنا نفسك حتى جفوناك في

الصفحة 247